لقد ضربت أنت لأبيك وفاروقه عند أذن رسول الله صلىاللهعليهوآله المعاول وقال الله عز وجل « إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى » (١) ولعمري لقد أدخل أبوك وفاروقه على رسول الله صلىاللهعليهوآله بقربهما منه الأذى وما رعيا من حقه ما أمرهما الله به على لسان رسول الله صلىاللهعليهوآله إن الله حرم من المؤمنين أمواتا ما حرم منهم أحياء وتالله يا عائشة لو كان هذا الذي كرهتيه من دفن الحسن عند أبيه رسول الله صلىاللهعليهوآله جائزا فيما بيننا وبين الله لعلمت أنه سيدفن وإن رغم معطسك.
______________________________________________________
قوله : عند إذن رسول الله ، أي ظاهرا وبحسب ما يراه الناس ورفعهم إلى السماء بعد ثلاثة أيام لا ينافي وجوب احترام مراقدهم ، مع أنه ذهب جماعة إلى أنهم بعد الرفع يرجعون أيضا إلى ضرائحهم المطهرة ، وسيأتي القول فيه مفصلا إنشاء الله تعالى.
« يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ » أي يحفظونها ولا يرفعونها بالصياح « امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى » أي جربها لها أو جربها بأنواع التكاليف لأجل التقوى ، فإنها لا تظهر إلا بالاصطبار عليها أو أخلصها للتقوى من امتحن الذهب إذا أذابه وميز جيده من رديئه ، وسيأتي معاني التقوى ومراتبها في كتاب الإيمان والكفر إن شاء الله.
« إن الله حرم. اه » دفع بذلك ما ربما يتوهم من أن حرمة الدخول في بيته بغير إذنه أو رفع الصوت عنده لعلهما كانا في حال حياته ولا يشمل ما بعد موته صلىاللهعليهوآلهوسلم.
« كرهتيه » الياء لإشباع الكسرة « وإن رغم معطسك » المعطس : الأنف ، وربما جاء بفتح الطاء والرغام بالفتح التراب ، يقال : رغم أنفه من باب علم أي ذل رغما بحركات الراء ورغم الله أنفه وأرغمه أي ألصقه بالرغام ، هذا هو الأصل ثم استعمل في الذل والعجز عن الانتصاف من الخصم والانقياد على كره « يوما على بغل » نصب يوما بالجار والمجرور والظرف خبر مبتدإ محذوف بتقدير أنت ، أو نصبه بفعل محذوف بتقدير تركبين.
وروي أنه أنشد يومئذ ابن الحنفية أو ابن عباس هذا البيت
__________________
(١) سورة الحجرات : ٣.