الذي يفرق فيه هو من الملائكة والروح التي تنزل من سماء إلى سماء أو من سماء إلى أرض فإن قالوا من سماء إلى سماء فليس في السماء أحد يرجع من طاعة إلى معصية فإن قالوا من سماء إلى أرض وأهل الأرض أحوج الخلق إلى ذلك فقل فهل لهم بد من سيد يتحاكمون إليه فإن قالوا فإن الخليفة هو حكمهم فقل « اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ » إلى قوله « خالِدُونَ » (١) لعمري ما في الأرض ولا في السماء ولي لله عز ذكره إلا وهو مؤيد ومن أيد لم يخط وما في الأرض عدو لله عز ذكره إلا وهو مخذول ومن خذل لم يصب كما أن الأمر لا بد من تنزيله من السماء يحكم به أهل الأرض كذلك لا بد
______________________________________________________
لا مرد لها ، وقوله : « وأهل الأرض » جملة حالية.
قوله : « فهل لهم بد » لعله مؤيد للدليل السابق بأنه كما أنه لا بد من مؤيد ينزل إليه في ليلة القدر فكذلك لا بد من سيد يتحاكم العباد إليه ، فإن العقل يحكم بأن الفساد والنزاع بين الخلق لا يرتفع إلا به ، فهذا مؤيد لنزول الملائكة والروح على رجل ليعلم ما يفصل به بين العباد ، ويحتمل أن يكون استئناف دليل آخر على وجود الإمام. « فإن قالوا فإن الخليفة التي في كل عصر هو حكمهم » بالتحريك « فقل » إذا لم يكن الخليفة مؤبدا معصوما محفوظا من الخطإ فكيف يخرجه الله ويخرج به عباده من الظلمات إلى النور ، وقد قال سبحانه : « اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا » الآية ، والحاصل أن من لم يكن عالما بجميع الأحكام وكان ممن يجوز عليه الخطأ فهو أيضا محتاج إلى خليفة آخر لرفع جهله ، والنزاع الناشئ بينه وبين غيره.
وأقول : يمكن أن يكون الاستدلال بالآية من جهة أنه تعالى نسب إخراج المؤمنين من ظلمات الجهل والكفر إلى نور العلم إلى نفسه ، فلا بد من أن يكون من يهديهم منصوبا من قبل الله تعالى مؤيدا من عنده ، والمنصوب من قبل الناس طاغوت يخرجهم من النور إلى الظلمات.
« لعمري » بالفتح قسم بالحياة « إلا وهو مؤيد » لقوله : « يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ
__________________
(١) سورة البقرة : ٢٥٨.