إليك بعد مدة ، وترجع كحالك الاول ، وتقضي ما عليك من الديون.
قال : فسكت وأنا مفكر في كلامه حتى انتهينا إلى باب داركم ، فوقفت ووقف ، فقلت : ادخل يا مولاي فأنا من أهل الدار فقال لي : ادخل أنت أنا صاحب الدار ، فامتنعت فأخذ بدي وأدخلني أمامه فلما صرنا إلى المسجد وجدنا جماعة من الطلبة جلوسا ينتظرون خروج السيد قدسسره من داخل الدار لاجل البحث. ومكانه من المجلس خال لم يجلس فيه أحد احتراما له ، وفيه كتاب مطروح.
فذهب الرجل ، وجلس في الموضع الذي كان السيد قدسسره يعتاد الجلوس فيه ثم أخذ الكتاب وفتحه ، وكان الكتاب شرائع المحقق قدسسره ثم استخرج من الكتاب كراريس مسودة بخط السيد قدسسره ، وكان خطه في غاية الضعف لا يقدر كل أحد على قراءته ، فأخذ يقرء في تلك الكراريس ويقول للطلبة : الا تعجبون من هذه الفروع وهذه الكراريس؟ هي بعض من جملة كتاب مواهب الافهام في شرح شرائع الاسلام وهو كتاب عجيب في فنه لم يبرز منه إلا ست مجلدات من أول الطهارة إلى أحكام الاموات.
قال الوالد أعلى الله درجته : لما خرجت من داخل الدار رأيت الرجل جالسا في موضعي فلما رآني قام وتنحى عن الموضع فألزمته بالجلوس فيه ، ورأيته رجلا بهي المنظر ، وسيم الشكل في زي غريب ، فلما جلسنا أقبلت عليه بطلاقة وجه وبشاشة ، وسؤال عن حاله واستحييت أن أسأله من هو وأين وطنه؟ ثم شرعت في البحث فجعل الرجل يتكلم في المسألة التي نبحث عنها بكلام كأنه اللؤلؤ المتساقط فبهرني كلامه فقال له بعض الطلبة : اسكت ما أنت وهذا ، فتبسم وسكت.
قال رحمهالله : فلما انقضى البحث قلت له : من أين كان مجيئك إلى الحلة؟ فقال : من بلد السليمانية ، فقلت : متى خرجت؟ فقال : بالامس خرجت منها ، وما خرجت منها حتى دخلها نجيب باشا فاتحا لها عنوة بالسيف وقد قبض على أحمد باشا الباباني المتغلب عليها ، وأقام مقامه أخاه عبدالله باشا ، وقد كان أحمد باشا المتقدم