وفي المرة الثالثة لم يشعر المزور أن سقط مغشيا عليه ، ولم يفق إلا في اليوم الثاني أو الثالث وهو في داره أتوابه أقاربه ، بعد أن فتحوا الباب عند المساء لما رأوه مغلقا ، فوجدوه كذلك وهم حوله باكون فقص عليهم ما جرى بينه وبين الزائر والاشخاص وصاح ادركوني بالماء فقد احترقت وهلكت ، فأخذوا يصبون عليه الماء ، وهو يستغيث إلى أن كشفوا عن جنبه فرأوا مقدار درهم منه قد اسود وهو يقول قد طعنني صاحب القطعة.
فعند ذلك اشخصوه إلى بغداد ، وعرضون على الاطباء ، فعجز الاطباء من علاجه فذهبوا به إلى البصرة وعرضوه على الطبيب الافرنجي فتحير في علاجه لانه جس يده (١) فما أحس بما يدل على سوء المزاج وما رأى ورما ومادة في الموضع المذكور فقال : مبتدئا : إني أظن أن هذا الشخص قد اساء الادب مع بعض الاولياء فاشتد بهذا البلاء ، فلما يئسوا من العلاج رجعوا به إلى بغداد فمات في الرجوع إما في الطريق أو في بغداد والظاهر أن اسم هذا الخبيث كان حسانا.
الحكاية التاسعة والاربعون
بغية المريد في الكشف عن أحوال الشهيد للشيخ الفاضل الاجل تلميذه محمد ابن علي بن الحسن العودي قال في ضمن وقائع سفر الشهيد رحمهالله من دمشق إلى مصر ما لفظه :
واتفق له في الطريق ألطاف إلهية ، وكرامات جلية حكى لنا بعضها.
منها ما أخبرني به ليلة الاربعاء عاشر ربيع الاول سنة ستين وتسعمائة أنه في الرملة مضى إلى مسجدها المعروف بالجامع الابيض لزيارة الانبياء والذين في الغار وحده ، فوجد الباب مقفولا وليس في المسيجد أحد ، فوضع يده على القفل وجذبه فانفتح فنزل إلى الغار ، واشتغل بالصلاة والدعاء ، وحصل له إقبال على الله
____________________
(١) يقال : جس الشئ يجس بالضم مسه بيده ليتعرفه. والمراد أنه أخذ نبضه فلم يجد اختلالا في الدم يكون سببا لاحتراقه والنهابه.