عدوه منها شربة ماء يا فضيل بن يسار إنه من كان همه هما واحدا كفاه الله همه ومن كان همه في كل واد لم يبال الله بأي واد هلك.
______________________________________________________
يعطهم من الآخرة التي لها عنده قدر ومنزله شيئا ، وقد قال تعالى : « وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ » (١).
« إنه من كان همه هما واحدا » الهم القصد والعزم والحزن ، والحاصل أنه من كان مقصوده أمرا واحدا وهو طلب دين الحق ورضا الله تعالى وقربه وطاعته ولم يخلطه بالأغراض النفسانية والأهواء الباطلة فإن الحق واحد وللباطل شعب كثيرة « كفاه الله همه » أي أعانه على تحصيل ذلك المقصود ، ونصره على النفس والشيطان وجنود الجهل « ومن كان همه في كل واد » من أودية الضلالة والجهالة « لم يبال الله بأي واد هلك » أي صرف الله لطفه وتوفيقه عنه ، وتركه مع نفسه وأهوائها حتى يهلك باختيار واحد من الأديان الباطلة ، أو كل واد من أودية الدنيا وكل شعبة من شعب أهواء النفس الأمارة بالسوء ، من حب المال والجاه والشرف والعلو ولذة المطاعم والمشارب والملابس والمناكح وغير ذلك من الأمور الباطلة الفانية.
والحاصل أن من اتبع الشهوات النفسانية والآراء الباطلة ولم يصرف نفسه عن مقتضاها إلى دين الحق وطاعة الله وما يوجب قربه لم يمدده الله بنصره وتوفيقه ، ولم يكن له عند الله قدر ومنزلة ، ولم يبال بأي طريق سلك ولا في أي واد هلك ، وقيل : بأي واد من أودية جهنم ، وقيل : يمكن أن يراد بالهم الواحد القصد إلى الله والتوكل عليه في جميع الأمور ، فإنه تعالى يكفيه هم الدنيا والآخرة ، بخلاف من اعتمد على رأيه وقطع علاقة التوكل عن نفسه ، ويحتمل أن يكون
__________________
(١) سورة الزخرف : ٣٣.