المؤمن إنني لأحب لقاءه ويكره الموت فأصرفه عنه وإنه ليدعوني فأجيبه وإنه ليسألني فأعطيه ولو لم يكن في الدنيا إلا واحد من عبيدي مؤمن لاستغنيت
______________________________________________________
عند الاحتضار من اللطف والكرامة والبشارة بالجنة ما يزيل عنه كراهة الموت ، ويوجب رغبته في الانتقال إلى دار القرار ، فيقل تأذيه به ، ويصير راضيا بنزوله ، وراغبا في حصوله فأشبهت هذه المعاملة معاملة من يريد أن يؤلم حبيبه ألما يتعقبه نفع عظيم ، فهو يتردد في أنه كيف يوصل ذلك الألم إليه على وجه يقل تأذيه ، فلا يزال يظهر له ما يرغبه فيما يتعقبه من اللذة الجسيمة ، والراحة العظيمة إلى أن يتلقاه بالقبول ، ويعده من الغنائم المؤدية إلى إدراك المأمول ، فيكون في الكلام استعارة تمثيلية.
وأما وجوهه عند العامة فهي أيضا ثلاثة :
الأول : أن معناه ما تردد عبدي المؤمن في شيء أنا فاعله كتردده في قبض روحه ، فإنه متردد بين إرادته البقاء وإرادتي للموت ، فأنا ألطفه وأبشره حتى أصرفه عن كراهة الموت ، فأضاف سبحانه تردد نفس وليه إلى ذاته المقدسة كرامة وتعظيما له ، كما يقول غدا يوم القيامة لبعض من يعاتبه من المؤمنين في تقصيره عن تعاهد ولي من أوليائه : عبدي مرضت فلم تعدني؟ فيقول : كيف تمرض وأنت رب العالمين؟ فيقول : مرض عبدي فلان فلم تعده ، فلو عدته لوجدتني عنده ، فكما أضاف مرض وليه وسقمه إلى عزيز ذاته المقدسة عن نعوت خلقه إعظاما لقدر عبده ، وتنويها بكرامة منزلته كذلك أضاف التردد إلى ذاته لذلك.
الثاني : أن ترددت في اللغة بمعنى رددت مثل قولهم فكرت وتفكرت ودبرت وتدبرت فكأنه يقول : ما رددت ملائكتي ورسلي في أمر حكمته بفعله مثل ما رددتهم عند قبض روح عبدي المؤمن فأرددهم في إعلامه بقبضي له وتبشيره بلقائي ، وبما أعددت له عندي كما ردد ملك الموت عليهالسلام إلى إبراهيم وموسى عليهماالسلام في القصتين