وجعل في الأرض أيضاً دواوين ولم يزيّنها بالذهب والفضة والياقوت واللؤلؤ كدواوين العجزة الناقصين ، لأنّ الحَسَنَ ذاتاً لا يحتاج إلى تزيين ، انّ هؤلاء زينوا قصورهم المعيوبة بالحلي الزهيد ، وكلّما زادوا في تزيينها انجلى قبحها وشناعتها أكثر ، لكن القادر ذا الجلال يجعل الصخر الأسود واحدة فوق الأخرى ويعبّىء فيها مئات آلاف من الأنوار المعنوية وفيوضه اللامتناهية ويدعوا الناس من الأطراف والأكناف إليها.
فيذهبون ويتمرّغون على التراب وتلك الأحجار ، ويأخذون حظّهم من تلك الأنوار اللامتناهية ، ولو جعل في الكعبة ياقوتة واحدة لذهب الناس إليها لأجل الياقوت لا لأجل الحيّ الذي لا يموت ، فلم تظهر عظمته ونفاذ حكمته.
ثم جعل دواوين وأماكن أُخر من دون زينة وتجمّل لخواص المقربين ، وأظهر فيها من أنوار جلاله بحيث انّ الملوك مع شوكتهم ونخوتهم يقذفون أنفسهم عندها على التراب ، وذو البصيرة يعلم ما وضع فيها من أنوار وفيوضات روحانية بدل الذهب والياقوت واللؤلؤ حتى تحتار فيه أبصار القلوب.
ومن أماكن قربه المساجد حيث جعلها محلّ قربه وفيضه وقال تعالى فيها : « وانّ بيوتي في الأرض المساجد » ، وفرش لمحبيه ذوي البصائر الفرش المذهبة بالعزّة والكرامة واللطف والمرحمة على الحصران المندرسة.
وأشعل لهم في الليالي المظلمة مشاعل النور والهداية ومحاريب العبادة ، وجعل قلوبهم متعلّقة بتلك الأماكن بحيث لا يستبدلون سلك حصير منها بملك قيصر ، وإذا فارقوها لا يمكنهم الصبر عنها كالسمك الخارج من الماء.
ومن الفوائد العظيمة للمساجد الاجتماع ولقاء الاخوان المؤمنين حيث يجتمعون ويستفيدون ويعين كلّ واحد الآخر على سلوك طريق العبادة ، ويفوزون