وأجلب بخيله عليكم ، وقصد برجله سبيلكم ، يقتنصونكم بكلّ مكان ، ويضربون منكم كلّ بنان ، لا تمتنعون بحيلة ، ولا تدفعون بعزيمة ، في حومة ذلّ ، وحلقة ضيق ، وعرصة موت ، وجولة بلاء.
فاطفئوا ما كمن في قلوبكم من نيران العصبيّة وأحقاد الجاهليّة ، فأنّما تلك الحميّة تكون في المسلم من خطرات الشيطان ونخواته ونزعاته ونفثاته ] (١).
واعتمدوا على وضع التذلّل على رؤوسكم ، والقاء التعزّز تحت أقدامكم ، وخلع التكبر من أعناقكم ، واتخذوا التواضع مسلحة بينكم وبين عدوّكم ابليس وجنوده ، فإنّ له من كلّ أمّة جنوداً وأعواناً ورجلاً وفرساناً.
ولا تكونوا كالمتكبّر (٢) على ابن أمّه من غير ما فضلٍ جعله الله فيه سوى ما ألحقت العظمة بنفسه من عداوة الحسد ، وقدحت الحميّة في قلبه من نار الغضب ، ونفخ في أنفه من ريح الكبر الذي أعقبه الله به الندامة ، وألزمه آثام القاتلين إلى يوم القيامة.
[ ألا وقد أمعنتم (٣) في البغي ، وأفسدتم في الأرض مصارحة (٤) لله بالمناصبة ، ومبارزة للمؤمنين بالمحاربة ، فالله الله في كبر الحميّة ، وفخر الجاهلية فانّه ملاقح الشنآن ، ومنافخ الشيطان التي خدع بها الامم الماضية ، والقرون الخالية ، حتى أعنقوا في حنادس جهالته ، ومهاوي ضلالته ، وذللاً عن سياقه ، سلساً في قياده ، أمراً تشابهت القلوب فيه ، وتتابعت القرون عليه ، وكبراً تضايقت الصدور به.
__________________
١ ـ ليس ما وضعناه بين المعكوفتين من المتن الفارسي.
٢ ـ يعني به قابيل.
٣ ـ أمعنتم : بالغتم.
٤ ـ المصارحة : التظاهر.