ألا فالحذر الحذر من طاعة ساداتكم وكبرائكم الذين تكبّروا عن حسبهم ، وترفّعوا فوق نسبهم ، وألقوا الهجينة (١) على ربهم ، وجاحدوا الله على ما صنع بهم ، مكابرة لقضائه ، مغالبة لآلائه ، فانّهم قواعد أساس العصبية ، ودعائم أركان الفتنة ، وسيوف اعتزاء الجاهلية ] (٢).
فاتقوا الله ولا تكونوا لنعمه عليكم أصداداً ، ولا لفضله عندكم حسّاداً ، [ ولا تطيعوا الأعياء الذين شربتم بصفوكم كدرهم ، وخلطتم بصحتكم مرضهم ، وأدخلتم في حقكم باطلهم ، وهم أساس الفسوق ، وأحلاس (٣) العقوق.
اتخذتم ابليس مطايا ضلال ، وجنداً بهم يصول على الناس ، وتراجمة ينطق على ألسنتهم ، استراقاً لعقولكم ، ودخولاً في عيونكم ، ونفثاً في أسماعكم ، فجعلكم مرمى نبله ، وموطئ قدمه ، ومأخذ يده ].
فاعتبروا بما أصاب الأُمم المستكبرين من قبلكم من بأس الله وصولاته ، ووقائعه ومثلاته ، واتعظوا بمثاوي خدودهم ، ومصارع جنوبهم ، واستعيذوا بالله من لواقح الكبر ، كما تستعيذونه من طوارق الدهر.
فلو رخّص الله في الكبر لأحد من عباده لرخّص فيه لخاصة أنبيائه وأوليائه ، ولكنّه سبحانه كرّه إليهم التكابر ، ورضي لهم التواضع ، فألصقوا بالأرض خدودهم ، وعفّروا في التراب وجوههم ، وخفضوا أجنحتهم للمؤمنين ، وكانوا قوماً
__________________
١ ـ الهجينة : الفعلة القبيحة المستهجنة.
٢ ـ اعتزاء الجاهلية : تفاخرهم بأنسابهم ، كلّ منهم يعتزي أي ينتسب إلى أبيه وما فوقه من أجداده.
٣ ـ الأحلاس جمع حلس ـ بالكسر ـ : كساء رقيق يكون على ظهر البعير ملازماً له ، فقيل لكلام ملازم لشيء : حلسه.