مستضعفين ، قد اختبرهم الله بالمخمصة (١) ، وابتلاهم بالمجهدة (٢) ، وامتحنهم بالمخاوف ، ومخضهم بالمكاره.
فلا تعتبروا الرضى والسخط بالمال والولد جهلاً بمواقع الفتنة ، والاختبار في موضع الغنى والاقتدار ، فقد قال سبحانه وتعالى : ( أَيَحسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَالٍ وَبَنِينَ * نُسارِعُ لَهُم فِي الخَيرَاتِ بَل لا يَشعُرُونَ ) (٣) فإن الله سبحانه يختبر عباده المستكبرين في أنفسهم بأوليائه المستضعفين في أعينهم.
ولقد دخل موسى بن عمران ومعه أخوه هارون عليهماالسلام على فرعون ، وعليهما مدارع الصوف ، وبأيديهما العصي ، فشرطا له إن أسلم بقاء ملكه ، ودوام عزّه ، فقال : ( ألا تعجبون من هذين يشرطان لي دوام العزّ ، وبقاء الملك ، وهما بما ترون من حال الفقر والذل ، فهلاّ ألقى عليهما أساورة من ذهب؟ ) اعظاماً للذهب وجمعه ، واحتقاراً للصوف ولبسه.
ولو أراد الله سبحانه لأنبيائه حيث بعثهم أن يفتح لهم كنوز الذهبان ، ومعادن العقيان (٤) ، ومغارس الجنان ، وأن يحشر معهم طيور السماء ووحوش الأرضين لفعل ، ولو فعل لسقط البلاء ، وبطل الجزاء ، واضمحلّت الأنباء ، ولما وجب للقابلين أجور المبتلين ، ولا استحقّ المؤمنون ثواب المحسنين ، ولا لزمت الأسماء معانيها.
ولكنّ الله سبحانه جعل رسله أولي قوّة في عزائمهم ، وضعفة فيما ترى
__________________
١ ـ المخمصة : الجوع.
٢ ـ المجهدة : المشقة.
٣ ـ المؤمنون : ٥٥ ـ ٥٦.
٤ ـ العقيان : نوع من الذهب ينمو في معدنه.