__________________
فتعصّب على آدم لاصله ، وطعن عليه في خلقته ، فقال : أنا ناريّ وأنت طينيّ.
واما الاغنياء من مترفة الامم ، فتعصّبوا لآثار مواقع النعم ، فقالوا : ( نحن أكثر أموالاً وأولاداً وما نحن بعذّبيين ) فإن كان لابدّ من العصبيّة فليكن تعصّبكم لمكارم الخصال ، ومحامد الافعال ، ومحاسن الأمور التي تفاضلت فيها المجداء والنجداء من بيوتات العرب ويعاسيب القبائل ، بالاخلاق الرغيبه والاحلام العظيمة ، والاخطار الجليلة ، والآثار المحمودة.
فتعصّبوا لخلال الحمد من الحفظ للجوار ، والوفاء بالذمام ، والطاعة للبر ، والمعصية للكبر ، والاخذ بالفضل ، والكف عن البغي ، والاعظام للقتل ، والانصاف للخلق ، والكظم للغيظ ، واجتناب الفساد في الأرض ، واحذروا ما نزل بالأُمم قبلكم من المثلات بسوء الأفعال ، وذميم الأعمال ، فتذكروا في الخير والشر أحوالهم ، واحذروا أن تكونوا أمثالهم.
فاذا تفكرتم في تفاوت حاليهم ، فألزموا كلّ أمر لزمت العزّة به شأنهم ، وزاحت الاعداء له عنهم ، ومدّت العافية به عليهم ، وانقادت النعمة له معهم ، ووصلت الكرامة عليه حبلهم من الاجتناب للفرقة ، واللزوم للاُلفة ، والتحاضّ عليها ، والتواصي بها ، اجتنبوا كلّ أمر كسر فقرتهم ، وأوهن منهم من تضاغن القلوب وتشاحن الصدور وتدابر النفوس ، وتخاذل الأيدي ، وتدبرّوا أحوال الماضين من المؤمنين قبلكم ، كيف كانوا في حال التمحيص والبلاء ، ألم يكونوا أثقل الخلائق أعباء ، وأجهد العباد بلاء ، وأضيق أهل الدنيا حالاً.
اتخذتهم الفراعنة عبيداً فساموهم سوء العذاب ، وجرّعوهم المرار ، فلم تبرح الحال بهم في ذلّ الهلكة ، وقهر الغلبة ، لا يجدون حيلة في امتناع ، ولا سبيلاً إلى دفاع ، حتى إذا رأى الله سبحانه جدّ الصبر منهم على الأذى في محبته ، والاحتمال للمكروه من خوفه ، جعل لهم من مضايق البلاء فرجاً ، فأبدلهم العزّ مكان الذل ، والأمن مكان الخوف ، فصاروا ملوكاً حكّاماً ، وأئمة أعلاماً ، وقد بلغت الكرامة من الله لهم ما لم تذهب الآمال إليه بهم.
فانظروا كيف كانوا حيث كانت الاملاء مجتمعة ، والاهواء مؤتلفة ، والقلوب معتدلة ، والأيدي مترادفة ، والسيوف متناصرة ، والبصائر نافذة ، والعزائم واحدة ، ألم يكونوا أرباباً في أقطار الأرضين ، وملوكاً على رقاب العالمين ، فانظروا إلى ما صاروا إليه في آخر أمورهم حين وقعت الفرقة ، وتشتت الالفة ، واختلفت الكلمة والأفئدة ، وتشعبوا مختلفين ، وتفرّقوا متحاربين ، قد خلع الله عنهم لباس كرامته ، وسلبهم غضارة نعمته ، وبقي قصص أخبارهم فيكم عبراً للمعتبرين.
فاعتبروا بحال ولد إسماعيل وبني إسحاق وبني اسرائيل عليهمالسلام ، فما أشدّ اعتدال الأحوال ، وأقرب اشتباه الأمثال ، تأمّلوا أمرهم في حال تشتتهم وتفرّقهم ليالي كانت الاكاسرة والقياصرة أرباباً لهم ، يحتازونهم عن ريف الآفاق ، وبحر العراق ، وخضرة الدنيا ، إلى منبت الشيح ، ومها في الريح ونكد المعاش ، فتركوهم عالة