____________
مساكين اخوان دبرٍ ووبرٍ ، أذلّ الاُمم داراً ، وأجدبهم قراراً لا يأوون إلى جناح دعوة يعتصمون بها ، ولا إلى ظلّ ألفة يعتمدون على عزّها ، فالاحوال مضطربة ، والايدي مختلفة ، والكثرة متفرّقة ، في بلاء أزل واطباق جهل من بنات موؤدة ، وأصنام معبودة ، وأرحام مقطوعة ، وغارات مشنونة.
فانظروا إلى مواقع نعم الله عليهم حين بعث إليهم رسولاً فعقد بملّته طاعتهم ، وجمع على دعوته ألفتهم ، كيف نشرت النعمة عليهم جناح كرامتها ، وأسالت لهم جداول نعيمها ، والتفت الملّة بهم في عوائد بركتها ، فأصبحوا في نعمتها غرقين ، وفي خضرة عيشها فكهين ، قد تربّعت الأمور بهم في ظلّ سلطان قاهر ، وآوتهم الحال إلى كنف عزّ غالب ، وتعطّفت الأمور عليهم في ذُرى ملك ثابت ، فهم حكام على العالمين ، وملوك في أطراف الأرضين ، يملكون الأمور على من كان يملكها عليهم ، ويمضون الاحكام فيمن كان يمضيها فيهم ، لا تغمز لهم قناة ، ولا تقرع لهم صفاة.
ألا وانكم قد نفضتم أيديكم من حبل الطاعة ، وثلمتم حصن الله المضروب عليكم بأحكام الجاهلية ، فإنّ الله سبحانه قد امتنّ على جماعة هذه الاُمّة فيما عقد بينهم من حبل هذه الألفة التي ينتقلون في ظلّها ، ويأوون إلى كنفها بنعمة لا يعرف أحد من المخلوقين لها قيمة ، لأنّها أرجح من كلّ ثمن ، وأجل من كلّ خطر ، واعلموا انكم صرتم بعد الهجرة أعراباً ، وبعد الموالاة أحزاباً ، ما تتعلّقون من الإسلام الاّ باسمه ، ولا تعرفون من الايمان الاّ رسمه.
تقولون : النار ولا العار ، كأنّكم تريدون أن تُكفئو الإسلام على وجهه انتهاكاً لحريمه ، ونقضاً لميثاقه الذي وضعه الله لكم حرماً في أرضه ، وأمناً بين خلقه ، وانكم ان لجأتم إلى غيره حاربكم أهل الكفر ، ثم لا جبرائيل ولا ميكائيل ولا مهاجرون ولا أنصار ينصرونكم الاّ المقارعة بالسيف حتى يحكم الله بينكم.
وانّ عندكم الأمثال من بأس الله وقوارعه ، وأيامه ووقائعه ، فلا تستبطئوا وعيده جهلاً بأخذه ، وتهاوناً ببطشه ، ويأساً من بأسه ، فإن الله سبحانه لم يلعن القرن الماضي بين أيديكم الاّ لتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فلعن الله السفهاء لركوب المعاصي ، والحلماء لترك التناهي.
ألا وقد قطعتم قيد الإسلام ، وعطّلتم حدوده ، وأمتم أحكامه ، ألا وقد أمرني الله بقتال أهل البغي والنكث والفساد في الأرض ، فأما الناكثون فقد قاتلت ، وأما القاسطون فقد جاهدت ، وأما المارقة فقد دوّخت ، وأما شيطان الردهة فقد كُفيته بصعقة سُمعت لها وجبة قلبه ، ورجّة صدره ، وبقيت بقية من أهل البغي ، ولئن أذن الله في الكرّة عليهم لاُديلنّ منهم الاّ ما يتشذّر في أطراف البلاد تشذّراً.
أنا وضعت في الصغر بكلاكل العرب ، وكسرت نواجم قرون ربيعة ومضر ، وقد علمتم موضعي من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بالقرابة القريبة ، والمنزلة الخصيصة ، وضعني في حجره وأنا ولد يضمّني إلى صدره ، ويكنفني في فراشه ، ويُمسّني جسده ، ويشمّني عَرفه ، وكان يمضع الشيء ثم يلقمنيه ، وما وجد لي كذبة في