فضحك أبو الطفيل وقال : بلى ، ولكنّي وإياك ، كما قال عبيد بن الأبرص :
لا أعرفنك بعد الموت تندبني |
|
وفي حياتي مازوّدتني زادي |
فدخل مروان بن الحكم ، وسعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن الحكم فلمّا جلسوا نظر إليهم معاوية ، ثمّ قال : أتعرفون هذا الشيخ ؟ قالوا : لا ، فقال معاوية : هذا خليل علي بن أبي طالب ، وفارس صفين ، وشاعر أهل العراق ، هذا أبو الطفيل.
فقال سعيد بن العاص : قد عرفناه يا أمير المؤمنين ، فما يمنعك منه ؟ وشتمه القوم ، فزجرهم معاوية ، وقال : مهلاً ، فرب يوم ارتفع عن الأسباب قد ضقتم به ذرعاً ، ثمّ قال : أتعرف هؤلاء يا أبا الطفيل ؟ قال : ما أنكرهم من سوء ، ولا أعرفهم بخير ، وأنشد شعراً :
فان تكن العداوة قد أكنّت |
|
فشرّ عداوة المرء السباب (١) |
هذا وغيره الكثير ممّن ارتفعت أيديهم عن الدماء المحرّمة ، وألسنتهم عن السباب ، واتّهموهم جلساء الملوك وأعوانهم بالظلم.
وعلى أيّة حال فإن هذه السنّة السيئة ـ سنّة السب ـ كانت متّبعة عند الأمويين ، وهي السبب الرئيسي لثورات الشيعة على ملوك بني أمية الذين كانوا يسبّون آل البيت على المنابر ، وعقب الصلاة ، وكانت سنّة
_______________
(١) ابن قتيبة ، الإمامة والسياسة ، ١ / ١٩٢ ، ١٩٣.