مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِن لَنا وَلَوْ كُنّا صادِقِينَ ) (١).
وكان من المفروض لو كانوا أهل الصدق أن يقولوا : « وما أنتَ بمؤمن لنا لأنّا كاذبون ».
فما كان من سيّدنا يعقوب ، وهو نبيُّ الله يُوحَى إليه ، إلاّ أن استسلم إلى باطلهم واستعان بالله على الصبر الجميل رغم علمه بأنّهم كاذبون ، قال : ( بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ) (٢).
وماذا عساه أنْ يفعل أكثر من ذلك ، وهو يواجه أحَدَ عشر رجلا اتّفقوا كلّهم على كلمة واحدة ، ومثّلوا مسرحيّة القميص والدّم ، وكلّهم يبكون على أخيهم المفقود.
فهل يكشف يعقوب كذبهم ويدحض باطلهم ، ويُسارع إلى الجبّ ليخرج ابنه الصغير الحبيب لقلبه ، ثمّ يُعاقبهم على فعلتهم الشنيعة؟
كلاَّ ، إنّ ذلك فعل الجاهلين الذين لا يهتدون بحكمة الله ، أمّا يعقوب فهو نبيّ يتصرّف تصرُّف الحكماء العلماء ، وقد قال الله في شأنه : ( وَإِنَّهُ لَذُو عِلْم لِما عَلَّمْناهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ الناسِ لا يَعْلَمُونَ ) (٣).
فما كان من علمه وحكمته إلاّ أن تولّى عنهم وقال : ( يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ) (٤).
ولو تصرّف يعقوبُ مع أبنائه كما قدّمنا بأن أخرج ابنه من الجبّ ،
__________________
١ ـ يوسف : ١٦ ـ ١٧.
٢ ـ يوسف : ١٨.
٣ ـ يوسف : ٦٨.
٤ ـ يوسف : ٨٤.