وهذه هي الحقيقة التي يجهلها أكثر الناس الذين يحتجّون علينا دائماً بصحّة خلافة أبي بكر وعمر لأنّ عليّاً سكتَ عنهما ، ويضيفون كما يحلو لهم : « لو كان الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم عيَّن عليّاً للخلافة بعده لما جاز له أن يسكتَ عنها لأنّها من حقّه ، والساكت عن الحقّ شيطان أخرس » هذا ما يقولونه ويردّدونه.
وهذا لعمري هو الفهم الخاطئ للذي لا يعرف من الحقّ إلاّ الذي يتماشى مع ميوله وهواه ، ولا يُدركُ الحكمة التي تتمخّضُ عن ذلك السكوت ، والمصالح الآجلة التي لا تُقدّر بقيمة إذا ما قيستْ بالمصلحة العاجلة نتيجة الثورة على الباطل الذي له أنصارٌ ومؤيِّدون كثيرون.
وإذا كان سكوت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم الحديبية على الحقّ وقبوله بشروط قريش وباطل المشركين ، حتى ثارتْ ثورة عمر بن الخطّاب فقال للرسول : « أولستَ نبيّ الله حقاً؟! أولسنا على الحقّ وهم على الباطل؟ فلماذا نعطي الدنيّة في ديننا؟ » (١).
أقول : إذا كان سكوتُه صلىاللهعليهوآلهوسلم سلبياً بنظر عمر بن الخطّاب وأغلب الصحابة الذين حضروه ، فإنّ الواقع يثبتُ بلا شكّ أنّه إيجابيّ لمصلحة الإسلام والمسلمين وإن لم تكن تلك المصلحة عاجلة ، فقد ظهرت نتائجه الإيجابية بعد عام واحد ، عند ما فتح رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مكّة المكرّمة بدون حرب ولا مقاومة ، ودخل الناسُ في دين الله أفواجاً ، عند ذلك استدعى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عمر بن الخطّاب ، وأطلعه على نتائج سكوته على الحقّ والحكمة من وراء ذلك.
__________________
١ ـ مسند أبي يعلى ١ : ٣٦٥ ، صحيح ابن حبان ١١ : ٢٤٤ ، البداية والنهاية ٤ : ٢٠٠.