ممن
سكن خارج المدينة ولم ير النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلم طول عمره إلا مرة أو مرتين أو ما يقرب من ذلك ، وهذا تأويل بعيد في كلمتين ( الأولى ) في لفظة الارتداد فإن النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلم إذا نص ـ بمقتضى ما عرفته من الأخبار المتواترة ـ وصرح بأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم واعترف به اصحابه ثم قال : فمن كنت مولاه أي أولى به من نفسه بقرينة كلامه المتقدم فعليٌ مولاه ، بعد التنبيه على دنو أجله وقرب موته كما تقدم ، فهو قرينة قطعية على كونه في مقام الإِيصاء والاستخلاف ، ثم توفى ومضى إلى ربه وعصوه أصحابه ونبذوا النص وراء ظهورهم وأتخذوا أبا بكر خليفة وبدلوا شخصاً غير الذي قيل لهم وهجموا على دار فاطمة عليها السلام وكادوا يحرقونها على من فيها . وفيها فاطمة سيدة النساء التي من آذاها فقد آذى النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلم كما ستسمع في محله ، وأخرجوا علياً عليه السلام وكادوا يقتلونه كما سمعت وهو أخو النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلم وصهره ، وابن عمه وأبو سبطيه ، وممن أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ، وهو من النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلم بمنزلة هارون من موسى ، فحمل لفظة الارتداد الواقعة في تلك النصوص المتقدمة على هذا الفعل الشنيع أولى وأولى من حملها على امتناع قوم من الأعراب من اداء الزكاة ( الثانية ) في لفظة الأصحاب فإن حمل هذه اللفظة على من صاحب النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلم في سفره وحضره وغزواته وحروبه وخلواته وجلواته ، وكان بحضر معه الصلوات الخمس والجمعة والجماعة ولا يفارقه في أي مجلس من مجالسه مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبو عبيدة بن الجراح ونظرائهم ، أقرب وأقرب من حمله على قوم لم يسكنوا إلا في خارج المدينة ولم يروا النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلم طول عمرهم إلا مرة أو مرتين أو ما يقرب من ذلك ، ولعمري إن هذا كله واضح لا يحتاج إلى إطالة الكلام ومزيد النقض والإِبرام ، غير أن من لم يجعل الله له نوراً فما له من نور ومن أعمى الله قلبه فلا دواء له إلا النار ، قال الله تعالى : (
وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا
يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا