ثمّ قال : ومعلوم أنّ أكثر الآيات والروايات الواردة في مدح العقل يراد بها المعنى الثالث ، ولا شبهة في وجوب العمل بالعلم واليقين ، ولا ريب أنّ العقل إنّما يحصل منه العلم واليقين ببعض مطالب الأُصول لا بجميعها ، ولا بشيء من مطالب الفروع ، ولا دليل على حجّية المقدمات العقلية الظنّية.
ومعلومٌ بالتتبّع أنّ كلّ مقدمة عقلية قطعية تتعلق بالأُصول والاعتقادات ففيها نصّ متواتر ، وهذا ظاهر لمن تتبّع. إلى أن قال : ومن المعلوم المتّفق عليه أنّه لا يوجد دليل عقلي قطعي في شيء من مسائل فروع الفقه ، والعقل الظنّي فيها ليس على حجّيته دليل يعتدّ به ، بل النهي عن الظنّ شامل له (١). إلى آخره.
وقال أيضاً في جملة كلام له : ولعلّ وجه ردّها أي الروايات الدالة على الرؤية مخالفتها للدليل العقلي القطعي ، والدليل النقلي المتواتر ، فلا يدلّ على أحدهما منفرداً ، وقد عرفت تلازمهما ، ومن تتبّع جزم بصحّة ما قلناه (٢).
إلى غير ذلك من كلماته التي تنادي بأعلى صوتها : أنّ ما نفوا حجّيته حُكْمَ العقل الظنّي ، وأنّه لا حكم قطعي له في الفروع ، وأنّه لو فرض وجوده نادراً فهو حجّة ، لا ينفكّ عنه صدور دليل نقلي قطعي بالتواتر.
وأمّا المحدّث البحراني ، فلا يخفى على من راجع مؤلفاته أنّه أيضاً تابعهم ، واستصوب مقالتهم ، ونفى ما نفوه ، فيحمل المجمل من كلامه على
__________________
(١) الفوائد الطوسيّة : ٤٢٦ ٤٢٧.
(٢) الفوائد الطوسيّة : ٤٢٨ ٤٢٩.