(وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ) (١).
فمن أجل ذلك دعا الله الإنسان إلى اتّباع أمره وإلى طاعته بتفضيله إياه باستواء الخلق وكمال النطق والمعرفة بعد أن ملّكهم استطاعة ما كان تعبّدهم به بقوله (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا) (٢) ، وقوله (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها) (٣) ، وقوله (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلّا ما آتاها) (٤) [و] في آيات كثيرة.
فإذا سلب العبد حاسة من حواسه رفع العمل عنه بحاسته كقوله (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ) (٥) ـ الآية ـ فقد رفع عن كل من كان بهذه الصفة الجهاد والأعمال التي لا يقوم بها ، وكذلك أوجب على ذي اليسار الحجّ والزكاة لما ملّكه من استطاعة ذلك ، ولم يوجب على الفقير الزكاة والحج بقوله (وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (٦) ، وقوله في الظهار (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) إلى قوله (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) (٧) ، كل ذلك دليل على أن الله تبارك وتعالى لم يكلف عباده إلّا ما ملّكهم استطاعته بقوة العمل به ، ونهاهم عن مثل ذلك. فهذه صحة الخلقة.
تفسير تخلية السرب
وأما قوله : تخلية السرب ، فهو الذي ليس عليه رقيب يحظر عليه ويمنعه العمل بما أمر الله به وذلك (٨) قوله فيمن استضعف وحظر عليه العمل فلم يجد حيلة ولم يهتد
__________________
(١) النحل : ٥ ـ ٧.
(٢) التغابن : ١٦.
(٣) البقرة : ٢٨٦.
(٤) الطلاق : ٧.
(٥) النور : ٦١.
(٦) آل عمران : ٩٧.
(٧) المجادلة : ٣ ـ ٤.
(٨) في النسختين بعدها : به و، وما أثبتناه وفق المصدر.