العلم الحضوري والحصولي
قد يعلم الإنسان بشيء علماً مباشراً من دون توسط شيء بينه وبين المعلوم ، الذي يكون حاكياً له ، فلا يحتاج العالم من أجل علمه بالمعلوم إلى حاكي وكاشف يحكي ويكشف عنه لكي يتحقق العلم به. ويُسمى هذا العلم بالعلم الحضوري أو «المعرفة الحضورية» ؛ كما لو علم الإنسان بنفسه أو بالحالات التي تطرأ عليها من حزن وفرح أو جوع وعطش أو حب وبغض ... وسبب تسميتها هكذا هو أن الإنسان يَعلم بالشيء من دون توسط صورة ذهنية بينه وبين الشيء المعلوم ، فالمعلوم حاضر بذاته لدى العالم.
وقد لا يتحقق علم الإنسان بذات الشيء مباشرة بل بصورته الذهنية الحاكية له ويسمّى هذا العلم بالعلم الحصولي ، من قبيل علمنا بالأشياء الخارجية ، فإنها غير معلومة لنا بذاتها ، وإنما عِلمنا بها عبر صورتها الذهنية. وأما ذات الصورة فإنها معلومة لنا بالعلم الحضوري. وذلك لأنك حينما ترى ناراً مشتعلة في الخارج ، فقد حصل لك العلم بها «علماً حصولياً» ؛ لأن ذات النار لم تحضر عندك في ذهنك حتى يتحقق علمك بها علماً حضورياً ، وإلا لاحترق ذهنك بها وإنما حصل لك العلم بها بتوسط صورتها الموجودة في الذهن ، فصارت الصورة واسطة بينك أنت العالم بالنار وبين النار الموجودة في الخارج ، وأما صورة النار الموجودة في الذهن فمعلومة لك بالعلم الحضوري ، لأنها حاضرة عندك ولا تحتاج إلى توسط شيء