العناصر بعضها إلى بعض ، وهذه حقيقة علمية تتناولها الفلسفة كمادة لبحثها وتطبق عليها القانون العقلي القائل بأنَّ الوصف الذاتي لا يتخلف عن الشيء ، فنستنتج أن صورة العنصر البسيط كالصورة الذهبية ليست ذاتية لمادة الذهب ، وإلا لما زالت عنها وإنما هي صفة عارضة ، ثم تمضي الفلسفة أكثر من ذلك فتطبق القانون القائل إن لكل صفة عرضية علة خارجية ، فتصل إلى هذه النتيجة أن المادة لكي تكون ذهبا أو نحاساً أو شيئاً آخر ، بحاجة إلى سبب خارجي» ، (١) وذلك السبب هو الأول الذي لا أول قبله ، والآخر الذي لا آخر بعده ، وهو الذي أيَّن الأين إذ لا أين ، وكيّف الكيف إذ لا كيف ، وهو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. ولا غرابة في ذلك ما دام الله غنياً بذاته ، مستغنياً عما سواه ، بل إن كلَّ ما سواه محتاج إليه. ومن كان هذا شأنه وهذِهِ منزلته فإن من العبث السؤال عن موجده وخالقه ، وهو قريب من قول القائل : إن الملح مع كونه ملحاً يحتاج إلى ملح كي يكون مالحاً ، وإن السكر مع كونه سكراً يحتاج إلى سكر حتى يكون حلواً!!
وقد تقول : ألا يعني هذا إلا الدور الواضح في بطلانه؛ لأن استغناء الله عن علة توجده موجب للقول بأن الله توقف في وجوده على نفسه ، أي أن الله تعالى هو الذي أوجد نفسه بنفسه!
«والجواب على ما قيل هو : إن هذا المعنى يصدق فيما لو كان الله فقيراً في وجوده ، أو أن له بداية بدأ بها ، ولكنّا قلنا وأثبتنا بأنه تعالى غني بالذات ، بمعنى إنه لم يكن في زمن من الأزمان بمفتقرٍ إلى الوجود أو معدوماً حتى يحتاج إلى من
__________________
١ ـ فلسفتنا ، ص ٩٢ ، محمد باقر الصدر ، المجمع العلمي والثقافي للشهيد الصدر.