خلافهم ذهب الإشراقيّون إلى القول بأصالةِ الماهية واعتبارية الوجود ، وكان في طليعة هؤلاء شيخ الإشراق «شهاب الدين السهرَوَرْدي».
إنّ إحدى الفروق التي يمكن الوقوف عليها في مجال تمييز الماهية عن الوجود هو : أن الماهية تختلف وتتعدّد باختلاف الأشياء ، فماهية الإنسان تختلف عن ماهية الشجر ، وهما يختلفان عن ماهية الحجر ... ، بينما الوجود في كل الأشياء واحد مهما تكاثرت وتعدّدت ، إلا إنه قد يختلف شدّةً وضعفاً من موجود إلى آخر ، فنور الشمعة أضعف من نور المصباح ونور المصباح أضعف من نور الشمسِ وهكذا؛ فإن الوجود يبدأ بأضعف موجود وينتهي بأكمل موجود وهو الله ـ جل اسمه وعلا مكانه ـ إلا أن الوجود واحد.
وبما أسلفنا يظهر أن الماهية تحدّد حقائق الأشياء وتميّز بعضها عن البعض الآخر بعد اتحادها في الوجود ، فلولا الماهية لم يتحقق التحديد والتشخيص في الموجودات ولم تتضح حقائقها. ومن أجل معرفة الفارق بين الوجود والماهية تصوّرْ أن الوجود عجينة وضعناها في قوالب مختلفة ، فإنها تتشخص بحسب القوالب التي صُبّت فيها ، فتكون اسطوانية أو مكعبة أو مخروطية ... ، فالعجينة بمثابة الوجود المتحد في الجميع ، والقوالب بمثابة الماهيات المختلفة فيما بينها بحسب اختلاف مواردها ومشخصاتها.