السامعة ، فالروح تدرك عبرها المبصرات والملموسات والمذوقات والمشمومات والمسموعات كما وإن الروح تدرك عبر المخِ بعض المفاهيم والاستنتاجات الكلية التي لا تمت إلى الحس الخارجي بصلة ، ويكون المخ قناة لوصول الروح إليها. فالإدراك مركزه الروح ، وليس البدن بما فيه من أجهزة حسيّة وعصبية مخيّة ، إلا وسيلة للوصول إليه ، وهذا لا يعني بحال إلغاء دور ما سوى الروح في عملية الإدراك ، بل إنّ له دوراً مهماً وأساسياً في عملية الإدراك ، إذ بدونه لا يتحقق إدراك عند موجود مدرك ، إلا أن دوره لا يتعدى دور المقدمة لتحقق ذلك ، وهو أشبه ما يكون بجهاز الهاتف الناقل للصوت بين متخابرين اثنين ، فلولاه لم يسمع أحدهما صوت الآخر ، إلا أن الذي يسمع الصوت ليس جهاز الهاتف بل الطرفان اللذان يقفان خلف الهاتف.
وكذلك الحال فيما نحن فيه ، إذ يمكن القول ، أن مركز الإدراك جهة أخرى غير البدن وهي ما يُعَبِّرُ عنها الفلاسفة الإلهيون بالروح ، وهي موجود مجرد عن المادة ولا يخضع لقوانينها وضوابطها.
تجرد المُدْرِك والمُدْرَك :
وقد أقام الفلاسفة أدلة كثيرة على أن الإدراك يجري في جهة غير بدننا المادي ، يطلق عليها اسم الروح ، وهي مجردة عن المادة نكتفي بذكر السهل اليسير منها :
١ ـ يذهل أحدنا بعض الأحيان عن بدنه وآلامه التي يعاني منها ، حينما يشغل نفسه بقضية مهمّة بالنسبة إليه كزيارة صديق عزيز عليه ، وهكذا حينما يسرح الإنسان في تأمّله برؤية منظر طبيعي ، فإن سمعه لا يدرك أحياناً الأصوات المرتفعة إلى جنب أذنيه ....