والسبب واضح وهو : أن الإنسان لا يتمثّل وجوده ببدنه المادي الترابي فقط ، بل يوجد إلى جانبه موجود آخر لا مادي وهو الروح التي تعتبر مركز إحساسنا والمحل الذي يتحقق فيه إدراكنا.
٢ ـ الأحلام المتمثلة بالأحداث التي يَراها النائم في منامه والتي تجد مصداقيتها في عالم اليقظة بتفاصيلها وأرقامها وجزئياتها ، لا يمكن أن تجد لها تفسيراً مادياً ما لم نفترض وجود شيءٍ لا مادي إلى جانب البدن المادي ، له قدرة على العلم بالمستقبل ، وليس هو سوى الروح ، لأنّ البدن لا يتسنى له الاطلاع إلا على الموارد التي تخضع لحواسه الخمس ، والموجودة في الخارج بالفعل لا تلك التي توجد في المستقبل.
٣ ـ إن ذهننا وخلايانا المخية المحدودة لا يمكنها استيعاب ما هو أكبر منها حجماً وأوسع منها مساحة ، كإدراكنا في رؤيتنا لمنظر تتجاوز مساحته عشرات الكيلومترات ، بلا نقيصة في مساحتهِ ، فلابد وأن يكون مركز إدراكنا هذا في محل آخر كي يصلح أن يكون ظرفاً لمظروفها المُدرَك ، وليس هو إلا روحنا التي بين جنبينا.
وهكذا اتضح أن المدْرِك لحقائق الأشياء ، إنما هو الروح وهي غير البدن المادي ، فهي مجردة عنه وعن قوانين المادة.
ومما تقدم يتضح كذلك أنّ الصور المدْرَكة مجرّدة عن المادة أيضاً ، بحكم كونها نتاجا للروح وإدراكها.