إن لكلّ ممكن ـ محتاج وفقير ـ علّة تفيض عليه الوجود والتحقق كحقيقة الإنسان مثلاً ، فإنها في حد ذاتها مفتقرة إلى علة توجدها ، فإن وجدت علتها وجدت هي معها وإلا فلا ، ولا يختلف حول هذهِ المسألة اثنان وهذا المعنى هو المستفاد من أصل العليَّة ، ومن هنا فإن كلَّ عاقلٍ سويّ يذعن بأنَّ لكلِّ مصنوع صانعا ولكلّ مخلوق خالقاً ولكل معلول علّة ، فما دام الموجود في ذاته مفتقراً في وجوده وتحققه فلابد وأنْ يكون مرتبطاً بسبب أفاض عليه الوجود والتحقق ، وهذا بخلاف ما لو كان الموجود في ذاته غنياً عن غيره في الوجود ، فلا معنى لاحتياجهِ إلى علة تفيض عليه الوجود ما دام غنياً عما سواه في ذلك؛ إذ الوجود بالنسبة إليه متحقق ، وهذا من قبيل عدم احتياج الملح إلى ملح حتى يكون مالحاً ، فما دام هو مالحاً لا معنى لاحتياجه إلى الملح ، إذ أن أمراً كهذا يكون لغواً؛ لأنه تحصيل للحاصل.
ومن هنا ، فإنّ الإلهي الموحّد يرى بأن الله غني عن كلِّ علّة مهما كان لونها ، بل إن كلَّ علّة مدينةٌ في وجودها وتحققها إليه تعالى ، فهو العلّةُ الأولى لكل ما سواه ، وما سواه معلول ومفتقر إليه جَلّ وَعلا؛ وقد أثبت الفلاسفة والمتكلمون ذلك بما لا يُبقي مجالاً للشك والتردد كما سوف يتضح فيما يأتي من بحوث (١).
__________________
١ ـ راجع : الدرس العشرين.