تختلف أساليب التحقيق العلمي باختلاف ميادينها ومجالاتها ، وذلك لأنك على سبيل المثال تجد فرقا واضحا بين البحوث التالية :
أ ـ البحث فى تاريخ نشوب الثورة ضد الإنجليز فى العراق.
ب ـ البحث فى أنواع الألوان.
ج ـ البحث في صياغة قانون عام فيما يرتبط بتمدّد الحديد بالحرارة.
فالبحث الأول يتناوله الأسلوب النقلي التاريخي بالدرس والتحقيق ، ولا دور للأساليب العقلية والتجريبية في ذلك؛ إذ إن الإنسان الذي لم يعاصر حدث الثورة ضد الإنجليز في العراق مهما حاول بعقله وتجربته معرفة ذلك ، فسوف يعجز عنه ولا يتوصّل إلى ما يريد. وأما البحث الثاني فإنه من مختصات الأسلوب التجريبي الحسي ولا دور للعقل والنقل فيه ، فإذا حُرِم الإنسان باصرته فإنه لن يحظى بمعرفة اللون الأحمر أو غيره من الألوان مهما وصفها الواصفون بنقلهم ومهما استدل أهل البرهان عليها بعقولهم؛ وهكذا الحال بالنسبة إلى البحث الثالث فإنه وقْفٌ على الأسلوب العقلي ، ولا نصيب للأسلوب التجريبي والنقلي فيه مهما جرّب المجرّبون ونقل الناقلون ذلك ، إذ أن كل ما يجرّبونه وما ينقلونه لا يستوعب كل ما هو موجود أو مفترض من قطع الحديد المحكوم عليها بالتمدّد.
ومباحث الفلسفة تعتمد على الأسلوب العقلي في تحقيقاتها ودراساتها لمسائلها الفلسفية ، إلا أنها قد تعتمد أحياناً على ظاهرة تجريبية لتجعلها منطلقاً لدراساتها العقلية والتأملية. (١)
__________________
١. ومن هذا القبيل النظر إلى بديع صنع الكون وعظمته ثم الانتقال بالتأمل والاستنتاج إلى وجود مبدع