لماذا يُفرض عليه الخروج منه مرة أخرى؟ ولماذا تكون الحياة جميلة إبان الطفولة والشباب ، ثم تغدو رذيلة منغصة عند الشيخوخة وأرذل العمر؟!
ومن هنا فنحن بحاجة إلى ما يخفف قلقنا وينزع سأمنا ويبدل ضياعنا وضلالنا إلى هدى ونور ورَوْح وراحة ، والفلسفة تؤدي هذا الدور؛ لأنها تعطي لكل ما تقدم من تساؤلات ، إجابات مُبيَّنة وذلك بتحديد رؤية كونية واضحة عن الكون والوجود والحياة ، لتتحدد لنا معالم المبدأ والمنتهى والسبيل بينهما. وبعبارة أخرى : إن الفلسفة تميط اللثام عن التوحيد والمعاد ، والنبوة التي تُعد سَبيلاً للوصول إلى شاطئ المعاد بأمان بما تتضمنه من شرائع ومناهج وأحكام ، فلا يغدو وجود الإنسان عبثاً ولا يُمسي كريشةٍ في مَهب الريح ، بل يعرف نفسه ويعرف أنه من أين وفي أين وإلى أين.
وإذا كان دور الفلسفة الكشف عن المجاهيل ، وانتشال الإنسان من حالات الإبهام والضياع بحل شبهاته في ما يرتبط بأصل الوجود ومآله وحقيقته ، فلا نبالغ إن أطلقنا اسم العلم عليها؛ لأن العلم يقوم بتسليط أضوائهِ الكاشفة على ظلمات المجاهيل ليُسفر عن هويتها وحقيقتها ، وهذا بالضبط ماتؤديه الفلسفة لقرّائها ودارسيها.
نعم ، إن أُريد من العلم حَصيلة الأفكار والنتائج التجريبية التي يتوصل إليها الإنسان في مختبره أو في مجال الطبيعة ، فلا يصح حينئذٍ إطلاق اسم العلم على الفلسفة بهذا المعنى ، بل وكذلك لا تصح تسمية كهذِهِ على التأريخ والجغرافيا ، والفقه وبقية العلوم الإنسانية غير التجريبية.