وقد نسبت هذه النظرية إلى الفلاسفة الإسلاميين وفي طليعتهم صدر المتألهين الشيرازي ، ومفادها : أن سرّ ارتباط المعلول بعلته هو إمكانه وافتقاره الذاتي الوجودي. فالممكن في حد ذاته خلو من كل وجود ، وإذا ما وجد فإنّ وجوده فيض من غيره ، فسرّ ارتباط المعلول بعلته إمكانه وافتقاره إليها. (١)
وإليك توضيح الفكرة بأمثلة بيانية : إن العلاقة القائمة بين العلة والمعلول علاقة ارتباطية لا استقلالية ، فإنك حين تقرأُ كتاباً أو تنظر إلى صورة جميلة أو تصافح صديقا لك ، فإنه سوف توجد بينك وبين كل ما تقدم علاقة ، وهذِهِ العلاقة تنتفي بمحض إعراضك عن تلك الأشياء ، إلا أن انتفاء علاقتك بها لا يوجب انتفاء وجودها أو وجودك بل يبقى وجودك ووجودها على ما هو عليه ، وهذا يعني أن وجود كلٍّ من الطرفين مستقل عن الآخر ، وهذا هو معنى العلاقة الاستقلالية القائمة بين الطرفين.
بينما تجد العلاقة القائمة بين حركة اليد وحركة القلم علاقة تعلقية ، بمعنى أن حركة القلم تنتفي بمحض قطع علاقتها بحركة اليد ، وهذا يعني أن العلاقة الحاكمة بين حركة اليد وحركة القلم علاقة ارتباطية ، أي أن حركة القلم مرتبطة في وجودها بحركة اليد ، فلا وجود لحركة القلم من دون حركة اليد ، وهذِهِ العلاقة
__________________
١ ـ وقد وقع خلاف بين الفلاسفة في أن الإمكان المذكور هل هو إمكان ماهوي ، بناءً على نظرية أصالة الماهية ، أو أنه إمكان وجودي ، بناء على نظرية أصالة الوجود؟ والصحيح هو الثاني على ما اختاره صدر المتألهين ، وتفصيل الكلام وبيان الخلاف موكول إلى دراسات أعمق. وقد تقدمت الإشارة إليه فيما سبق عند البحث عن الماهية والوجود.