الموجودة فيها منذ زمن سحيق ، وحيث أنها لم تكن كذلك بل تنتظر يوماً موعوداً ، فالمادة إذاً حادثة وليست قديمة. (١)
إلاّ أنّ الأولى أن يُقال ، وكما ألمحنا فيما تقدم : (٢)
إن أزلية وقدم موجود ما لا تمنع من حاجته إلى علة توجده وتمنحه الغنى ، لأن السرَ في رجوع المعلول إلى علته إمكانه واحتياجه ، فإذا ثبت لموجود من الموجودات أنه ممكن ـ محتاج ـ ، فلا شك حينئذٍ في لزوم رجوعه إلى علة تمنحه الغنى والتحقق.
وقد أثبت الفلاسفة من خلال بحوثهم أن المادة العلمية (٣) لا يصح أن تكون منشأً لنفسها ولا حتى للظواهر المرتبطة بها لائتلافها من مادة وصورة ، ولا يمكن لكلٍ من المادة والصورة أن توجد مستقلة عن الأخرى ، فيجب أن يوجد فاعل أسبق لعملية التركيب ، تلك التي تحقق للموجودات المادية وجودها ، وذلك لأن المركب الجامع للمادة والصورة محتاج إليهما وكل جزء محتاج إلى الآخر ، (٤) فلا يوجد من بينهم ما هو غني بذاته ووجوده ، فيبقى الافتقار حاكماً وقاضياً بوجود علة غنية تُعدُّ محطة تنتهي إليها قافلة الموجودات الإمكانية لتضخها بالوجود والتحقق. «ومثال ذلك : أن العلوم الطبيعية تبرهن على إمكان تحويل
__________________
١ ـ المؤلف ، أصول الدين بين السائل والمجيب. ص ٢٨ ـ ٢٩ ، ط أولى.
٢ ـ الدرس السادس عشر.
٣ ـ المقصود من المادة العلمية كل ما يخضع للحس والتجربة ، كما يوجد اصطلاح آخر للمادة ، وهو اصطلاح فلسفي ، والذي يعبّر عنه بالهيولا أو المادة الأولى. وقد تقدم الكلام عن الاصطلاح الفلسفي في الدرس السابع. فراجع.
٤ ـ وبهذا البيان يتضح أن الله تعالى يستحيل أن يكون مركبا؛ للزوم احتياجه إلى أجزائه واحتياج كل جزءٍ إلى الجزء الآخر ، ومن هنا فإنه تعالى مجردٌ لا مادي.