وإما أن نفرض لعلةِ الكون علةً أخرى غير المعلول الأول والعلة الأخرى يفرض لها علة بعدها وهكذا يجري فرض سلسلة علل ومعلولات متصاعدة وبلا توقف ، وهو المعبّر عنه بالتسلسل ، وهو كالدور باطل ويرجع السر في بطلانه إلى أن كل حلقة من هذِهِ السلسلة فقيرة ومحتاجة ، فكيف يمنح بعضها البعض الآخر وجوداً وتحققاً مع فرض أن الجميع مفتقر إلى الوجود والتحقق ، وهل يعقل أن يمنح الفقير في الوجود نفسه أو غيره غنى الوجود؟! فإذا أمكن للصفر أن يمنح نفسه أو غيره عدداً من الأعداد أمكن ذلك أيضاً ، وهو محال كما ترى ، لحكم العقل القطعي بأن فاقد الشيء لا يعطيه.
خرافة أزلية المادة وغناها
وقد تقول : لماذا لا نفترض المادة أزلية حتى لا نقع في دوّامة البحث عن خالقها وبارئها ، ومن ثم لا نقع في مشكلة الدور والتسلسل.
وقد رَدَّ المتكلمون والعلماء على الوهم المزبور بردود شتّى؛ نكتفي منها بما اختاره «فرانك آلن» (١) أستاذ الطبيعة البيولوجية حيث أكّد :
أن أجزاء العالم تتجه إلى حالة تساوي درجات الحرارة بعد أن تفقد الأجزاء الأكثر حرارة حرارتها لتكون متساوية مع غيرها في درجة واحدة ، وقد استند في ذلك إلى الأصل الثاني من أصول الثرموديناميك ، والذي يعُبّر عنه باصطلاح «انتروبي» أو «الاستنزاف والبلى» فالمادة لو كانت أزلية لتساوت درجة الحرارة
__________________
١ ـ فرانك آلن : ماجستير ودكتوراه من جامعة كررلل ، أستاذ الطبيعة الحيوية بجامعة مانيتوبا بكندا من سنة ١٩٠٤ ـ ١٩٤٤ ، أخصائي في إبصار الألوان والبصريات الفيسولوجية وإنتاج الهواء السائل وحائز على وسام ترري الذهبي للجمعية الملكية بكندا.