لا يختلف في ذلك اثنان ، ويعود السبب إلى أن ما فرض أنه معلول أو مخلوق أو مصنوع يُضمِر في ذاته حاجته وافتقاره إلى علةٍ أو سببٍ أو صانعٍ يمنحه الغنى؛ فلو فرضنا أن عالم الكون في ذاته محتاج وفقير إلى الوجود ، فهو بلا شك معلول ومصنوع ومخلوق يحتاج إلى جهة تغنيه وتمنحه التحقق والوجود ، ولا مناص من إرجاعه إلى علته التي تمنحه ذلك؛ لأن العلاقة القائمة بين المعلول وبين علته تمثّل عين الربط والتعلّق بعلته ، أي إن المعلول في وجوده مفاض من علته ، وبانقطاعه عنها ينقطع الفيض والغنى. وهذِهِ العلة إما أن تكون غنية بذاتها وهي التي يُعبّر عنها في علم الكلام بواجبة الوجود ، وهي التي لا تحتاج في ذاتها إلى أي سبب وعلة ، لفرض أنها غنية مطلقاً؛ في ذاتها وصفاتها. وهذه العلة من شأنها التكفّل بعالم الكون فتمنحه التحقق والوجود. أو أن تكون علة الكون الموجدة له غير غنية بذاتها ممكنة ومحتاجة إلى غيرها ، فلابد حينها من فرض انتهاء هذِهِ العلّة وكل علة مثلها إلى علّة هي في ذاتها غنية وواجبة وإلا سوف نضطر إلى فرضِ علة لهذه العلة هي مثلها في الاحتياج والافتقار ، وهذه العلة إما أن تكون نفس المعلول ـ وهو عالم الكون في المثال ـ الذي كنّا في صدد البحث عن علته ، وهذا هو الدور الواضح في بطلانه ، لأنه مستلزم لتوقف الشيء على نفسِه ، أو تقدم ما هو متأخر وتأخر ما هو متقدم ، فالكون الذي فرض أنه معلول «متأخر» سوف يكون في نهاية المطاف متقدماً ، والعلة للكون التي كانت متقدمة بحكم كونها علة للكون سوف تكون متأخرة ، لأنها سوف تكون في المآل معلولة للكون. فكيف يوجد الشيء نفسه بنفسهِ بعد أن كان عدماً؟! وكيف يكون المتأخر متقدماً والمتقدم متأخراً؟!