الرجل؟ يهجر؟ فقيل له؟ بلى يهجر من شدّة المرض ، ويقال إنه احسّ بشيء وقام من عند هاني وخرج وأقبل إلى قصر الإمارة. فقال هاني لمسلم : مالذي منعك عن قتله؟! قال سمعت خبراً عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «لا إيمان لمن قتل مسلماً» فقال له شريك : ما منعك من قتله؟ قال : خلصتان : إحداهما كرهت أن يقتل في دارك ، والثانيه لحديث حدّثنيه الناس عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : «الإيمان قيد الفتك فلا يفتك مؤمن» ؛ فقال لها هاني : أما والله لو قتلته لقتلت فاسقاً فاجراً (١).
وقال بعض المؤرخين : إنّ ابن زياد جاء ليعود شريكاً حيث لمّا ورد الكوفة ونزل في دار هاني بن عروة ؛ هكذا روى أبو الفرج الأصفهاني والدينوري (٢).
أقول امتنع مسلم من قتل ابن الزاينة ، لا والله بل القضاء والقدر حال بينهما ، ولو لا القضاء والقدر لما أُدخل عليه مسلم بن عقيل عليهالسلام مكتوفاً ، فلمّا أُدخل عليه لم يسلّم ، فقال له الحرس : لم لا تسلّم على الأمير؟ فقال ما هو لي بالأمير ، فقال له ابن زياد : لا عليك إن سلّمت أو لم تسلّم فإنك مقتول لا محالة ، فقال مسلم : إن قتلتني فقد قتل من هو شرّ منك خير منّي ، فقال ابن زياد : يا شاق أتيت الناس وهم جمع فشتّتّ كلمتهم وفرّقت جماعتهم ، فقال مسلم : كلا ما لهذا أتيت ، ولكن أهل هذا المصر زعموا أنّ أباك قتل خيارهم وسفك دماءهم وعمل فيهم أعمال كسرى وقيصر ، فأتيناهم لنأمر بالمعروف وننهي عن المنكر ؛ فجعل ابن زياد يشتمه ويشتّم عقيلاً والحسن والحسين ومسلم ساكت لا يتكلم.
أقول : كان اللعين ابن زياد هذا دأبه وهذه سجيًته وهذا دينده ، يشتم
__________________
(١) انظر تاريخ الطبري : ٥ / ٣٦٠ ـ ٣٦٣.
(٢) مقاتل الطالبين : ٩٨ ، الأخبار الطوال : ٢٣٤.