خلف ظهورنا ، ونستقبل القوم بوجه واحد؟ قالوا : بلى ، هذا ذوحسم إلى جنبك ، فمل إليه عن يسارك. فأخذت ذات اليسار ، قالا : فما كان بأسرع من أن طلعت علينا هوادي (١) الخيل كأن أسنّتهم اليعاسيب (٢) ، وكأن راياتهم أجنحة الطير.
فأمر الحسين عليهالسلام بالأبنية فضربت ، وجاء القوم زهاء ألف فارس يتقدّمهم الحرّ (٣) بن يزيد الرياحي ، وكان مجيئه من القادسية (٤) ، فنزل حذاء الحسين عليهالسلام في حر الظهيرة ، والحسين وأصحابه جالسين متقلّدي أسيافهم ، فقال الحسين عليهالسلام لفتيانه : اسقوا القوم [وارووهم من] (٥) الماء ، ورشّفوا الخيل ترشيفا ، فأقبلوا يملؤن القصاع والطساس ثم يدنونها من الفرس ، فإذا عب فيها ثلاثاً أو أربعاً عزلت وسقى الآخرى ، حتى سقوهم عن آخرهم. قال علي بن الطعان المحاربي : كنت يومئذ مع [الحرّ بن يزيد] ، (٦) ، فجئت في آخر من جاء من أصحابه ، فلما رأى الحسين عليهالسلام ما بي وبفرسي من العطش ، قال لي : يا ابن أخي إنخ الجمل ؛ فأنخته
__________________
(١) الهوادي جمع الهادي العنق والمتقدم وهنا يريد مقدمة الخيل.
(٢) جمع يعسوب أمير النحل وذكرها يشبه لمعان الأسنّة بلمعان أجنحة اليعاسيت في الشمس.
(٣) الحر بن يزيد الرياحي كان شريفاً في قومه جاهلية وإسلاماً فإنّ جدّه عتابا كان رديف النعمان بن المنذر وولد عتاب قيسا وقعنبا ومات عتاب فردف فقيس النعمان ونازعه الشيبانيون فقامت بسبب ذلك حرب يوم الطخلة والحر بن عم الاخوص الصحابي الشاعر.
(٤) القادسية وحسبما جاء في ج ٤ ص ٢٩١ من كتاب المعجم البلدان للحموي موضع بينه وبين الكونة خمسة عشر فرسخاً وبينه وبين العذيب أربعة أميال وبهذا الموضع كان يوم القادسية بين سعد ابن أبي وقاص والمسلمين والفرس في أيام عمر بن الخطاب وذلك سنة ١٦ من الهجرة.
(٥ و ٦) ما اثبتناه من المصدر.