حزيناً كئيباً ، وينظر أصحاب أخيه فيشاهدهم مجزرين كالأضاحي ، وينظر عيالاته فيشاهدهنّ يتصارخن من شدّة العطش ، سئم الحياة ومنعه إيمانه أن يبرز بلا رخصة من أخيه الحسين عليهالسلام ، فجاء الى الحسين عليهالسلام وقال له ، أخي قد ضاق صدري وسئمت الحياة واريد أن أطلب بثاري من هؤلاء المنافقين ، فهل لي من رخصة؟ فقال الحسين عليهالسلام : أجل اطلب لهؤلاء الأطفال قليلاً من الماء ؛ فذهب الى القوم ووعظهم وحذّرهم فما افاد الوعظ ولا التحذير ، رجع الى الحسين وسمع الأطفال ينادون العطش ، أقبل إلى الخيمة ـ ومعه الحسين عليهالسلام ـ ليودّع عياله ويأخذ القربة ليملأها لهم من الفرات ، وقد كانت زينب قالت لأختها اُم كلثوم : اُخية في هذا اليوم كلّ فرد من أخوتنا إذا أراد البراز يأتينا الى المخيّم ويودّعنا ، والآن لم يبق من اخوتنا الا الحسين والعباس ، فإذا جاء إلينا نقسم عليه بالجلوس فإذا جلسا خذي أنت بطرف رداء العباس وأنا آخذ بطرف رداء الحسين ، ولا ندعهما يخرجان من الخيمة. فلما رأتهما الحوراء زينب أقسمت عليهما بالجلوس ، فجلسا فقامت زينب وجلست الى جنب إخيها الحسين ، وكذلك ام كلثوم [جلست] وبيدها رداء العباس وهن يبكين ، فبينما هم في هذا ونحوه إذا المنادي ينادي : يا حسين ويا أبا الفضل جبنتما عن الحرب وجلستما بإزاء النساء ، فنبض العرق الهاشمي بين عيني العباس ، فاجتذب رداءه من اُخته اُم كلثوم وقام ، فتعلقت به اُم كلثوم ، فناداها الحسين : اُخيّه دعيه يمضي فقد اشتاق الحبيب إلى حبيبه ؛ فصاحت زينب : أمري وأمركما إلى الله ، فقام العباس وركب جواده :
لا تنس للعباس حسن مقامه |
|
بالطف عند الغارة الشعواء |
واسا أخاه بها وجاد بنفسه |
|
في سقي أطفال له ونساء |
ردّ الاُلوف على الاُلوف معاً |
|
رضاً حدّ السيوف بجبهة غرّاء |
ويروى أنّه سمع الأطفال ينادون العطش ، رمق السماء بطرفه وقال : «إلهي