قال الراوي : وأفلت علي الأكبر نفسه من النساء ورجع إلى الحرب وجعل يقاتل حتى قتل المائتين.
قال حميد بن مسلم : كنت واقفاً وبجنبي مرّة بن منقذ التميمي وعلي بن الحسين يشدّ على القوم يمنة ويسرة فيهزمهم ، فقال مرّة : عليَّ آثام الحرب إن مرّ بي هذا الغلام ولم أثكل به أباه. فقلت : لا تقل هذا يكفيك هؤلاء الذين احتوشوه ؛ فقال : والله لأفعلنَّ.
قال : ومرّ بنا علي الأكبر وهو يطرف كتيبه أمامه فطعنه برمحه فانقلب على قربوس سرج فرسه ، واعتنق الفرس فحمله الفرس الى معسكر الأعداء فاحتوشوه وقطعوه بسيوفهم إرباً إرباً ، ولمّا بلغت روحه التراقي نادى رافعاُ صوته : أبه عليك منّي السلام هذا جدي رسول الله قد سقاني بكأسه الأوفى شربة أظمأ بعدها أبداً ، وهذا كأساً مذخورا لك حتى تشربه.
قالت سكينة : ولمّا سمع أبي صورت أخي علي جعل تارة يجلس وهو يقول : وا ولداه ... ثم انحدر إليه الحسين عليهالسلام ومعه اهل بيته حتى وقف عليه ، ورآه مقطعا بالسيوف إرباً إرباً ، فقال يا بني قتل الله قوما قتلوك ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول. ثم استهلّت عيناه بالدموع وقال : ولدي على الدنيا بعدك العفا ، أمّا أنت يا بني فقد استرحت من همّ الدنيا وغمها وبقي ابوك لهمّها ولكربها.
قال حميد بن مسلم : لكأنّي أنظر إلى امراة خرجت من الفسطاط وهي تنادي : يا حبيباه يا ابن اُخيّاه ... فسالت عنها فقيل لي : هي عمّته زينيب. فجاءت حتى انكبّت عليه فاخذها الحسين بيده وردها الى الفسطاط ثم التفت الى فتيانه وقال : احملوا أخاكم .. فحملوه وجاؤا به الى الخيمة وهم يبكون ، قيل : وارسلت ليلى إلى الحسين عليهالسلام قائلة : سيدي اُريد أن أبكي على ولدي ، مر اهل بيتك أن