ثم رجعت إلى الفسطاط وأنا أهمل دموعي ، فنظرت إليّ عمّتي اُم كلثوم فقالت : مالك؟! فحكيت لها ما رأيت ، فصاحت : وا جدّاه ... وا محمّداه ... وا أباه ... وا عليّاه ... وا حسناه ... وا حسيناه ... وا قلة ناصراه ... وكيف الخلاص من الاعداء وليت الأعادي يقتلوننا بدلاً عن أخي الحسين عليهالسلام.
قالت سكينة : فاجتمعن النسوة وبكين ، فسمع أبي بكاءنا فخرج من الفسطاط وقال : ممَّ هذا البكاء؟ فقربت إليه عمتي وقالت له : أخي ردنا إلى حرم جدنا؟ فقال : يا اُختاه كيف لي بذلك وقد أحاط بنا الأعداء؟ فقالت : أخي هل ذكّرتهم محل جدك وأبيك وجدّتك وأخيك؟ فقال : بلى ذكرتهم فلم يذكروا ، ووعظتهم فلم يتّعظوا ، وليس لهم رأي سوى قتلي ، ولابدّ أن تريني على التراب جديلاً ، ولكن يا أختاه اوصيكنّ بالصبر والتقوى.
وروى ابن شهر آشوب : إنّه لمّا كان وقت السحر خفق الحسين عليهالسلام خفقة واستيقظ وقال : أتعلمون ما رأيت في منامي الساعة؟ قالوا : وما الذي رأيت يابن رسول الله؟ قال : رأيت كلاباً قد شدت عليَّ لتنهشني وفيها كلب أبرص ورأيته أشدّها عليّ ، وأظنّ أنّ الذي يتولى قتلي رجل أبرص من هؤلاء القوم ، ثم رأيت بعد ذلك جدّي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ومعه جماعة من أصحابه وهو يقول لي : يا بني أنت شهيد آل محمد ، وقد استبشر بك أهل السماوات فاليكن إفطارك عندي الليلة ، وهذا ملك قد نزل من السماء ليأخذ من دمك في قارورة خضراء ، فهذا ما رأيت.
وفي الخرائج والجرائح للراوندي ، روي عن زين العابدين عليهالسلام أنه قال : لمّا كانت الليلة العاشرة من المحرم قام أبي الحسين في أصحابه خطيباً ، فقال :
«يا أصحابي إنّ هؤلاء يريدونني دونكم ، ولو قتلوني لم يصلوا إليكم ، فالنجاة النجاة وأنتم في حلٍّ مني فإنّكم إن أصبحتم معي قتلتم كلّكم».