رأيه فيهم. فقال لهم برير : أفلا تقبلون أن يرجعوا إلى مكان الذي أتوا منه؟ ويلكم يا أهل الكوفة أنسيتم كتبكم التي كتبتموها وعهودكم التي أعطيتموها وأشهدتم الله عليها؟ ويلكم دعوتم أهل بيت نبيكم وزعمتم أنّكم تقتلون أنفسكم دونهم حتى إذا أتوكم أسلمتموهم عن ماء الفرات ، بئسما خلفتم نبيّكم في ذريّته ، مالكم لا سقاكم الله يوم القيامة ، فبئس القوم أنتم.
فقال رجل منهم : يا هذا ما ندري ما تقول. فقال برير : الحمد لله الذي زادني فيكم بصيرة ، اللهم إني أبرء إليك من فعال هؤلاء القوم ، اللهم إلق بئسهم بينهم حتّى يلقوك وأنت عليهم غضبان (١).
قال : فجعل القوم يرمونه بالسهام : فرجع برير الى وراءه (٢) ، وتقدّم الحسين حتى وقف بإزاء القوم ، وجعل ينظر الى صفوفهم وكأنّهم السيل (٣) ، ونظر الى ابن سعد لعنه الله واقفاً وحوله صناديد أهل الكوفة ، فقال : الحمدلله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال ، متصرّفة بأهلها حالاً بعد حال ، فالمغرور عن غرّته ، والشقي من قتلته ، أيّها الناس فلا تغرنكم هذه الدنيا فإنّها تقطع رجاء من ركن إليها ، وتخيب من طمع فيها ، رأراكم قد اجتمعتم على أمر قد اسخطتم الله فيه عليكم ، وأعرض بوجهه الكريم عنكم ، وأحلّ بكم نقمته ، وجنّبكم رحمته ، فنعم الربّ ربّنا ، وبئس العبيد أنتم ، أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ثم أنكم زحفتم على ذريته وعترته تريدون قتلهم ، لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم ، فتبّاً لكم ولما تريدون وإنا لله وإنا إليه راجعون ، هؤلاء
__________________
(١) مقتل الحسين اللخوارزمي : ١ / ٢٥٢.
(٢) تظلّم الزهراء : ١٨٠.
(٣) البحار : ٤٥ / ٥.