عن صدرك وعن نحرك ، فكشف لها الحسين عليهالسلام صدره وعن نحره ، شمّته في نحره وقبلته في صدره ، ثمّ حوّلت وجهها نحو المدينة وصاحت : يا اُمّاه قد استرجعت الأمانة ، فتعجّب الحسين عليهالسلام من كلامها ، فقال لها : اُخية ، وما الأمانة؟ قالت : اعلم يابن والدي ، لما دنت الوفاة من اُمّنا فاطمة ، قرّبتني إليها وشمّتني في نحري وقبلتني في صدري وقالت لي : بنية زينب ، هذه وديعة لي عندك ، فإذا رأيت أخاك الحسين وحيداً فريداً ، شمّيه في نحره وقبليه في صدره ؛ أمّا نحره فإنّه موضع السيف ، وأمّا صدره فإنّه موضع حوافر الخيول.
قال الراوي : والله لقد سمعنا منادياً ينادي بين السماء والأرض ، وا والداه وا حسيناه ، ثم ودّعهم وحمل على القوم فجعل يضرب فيهم بسيفه وهو يقول (١) :
الموت أولى من ركوب العار |
|
والعار أولى من دخول النار |
قال بعض الرواة : ما رأيت مكثوراً (٢) قط قد قتل منه ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً منه عليهالسلام ، وإن كانت الرجال لتشدّ عليه ويشدّ عليها بسيفه فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب ، ولقد كان يحمل عليهم وقد تكاملوا ثلاثين ألف ، فينهزمون من بين يديه كالجراد المنتشر (٣) ، ثم يرجع إلى مركزه وهو يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، فكان كما قال المتنبي (٤) :
واستعار الحديد لوناً وألقى |
|
لونه في ذوائب الأطفال |
هذا والعطش قد أثر بعينه حتّى صار لا يبصر بهما ، وأثر بلسانه حتّى صار
__________________
(١) كما في صفحة ١٧٠ من كتاب «الملهوف على قتلى الطفوف».
(٢) المكثور : المغلوب.
(٣) تاريخ الطبري : ٤ / ٣٤٥.
(٤) في قصيدته التي يمدح بها عبدالرحمن بن المبارك الإنطاكي ومطلعها :
حيلةُ الهجر لي وهجرُ الوصالِ |
|
نكّساني في السُّقمِ نُكسَ الهلالِ |