كالخشبة اليابسة ، وأثر بأحشائه حتى صار الغبار يدخل في فيه وينزل الى جوفه ثمّ يخرج مثلما دخل ، وأثر العطش في قواه وهو مع ذلك يضرب فيهم بسيفه ، فصاح عمر بن سعد بأصحابه : الويل لكم يا حمقاء ، أتدرون من تقاتلون ، هذا ابن الأنزع البطين ، هذا ابن قتّال العرب ، فاحملوا عليه حملة رجل واحد (١). ثم إنّهم افترقوا عليه أربعة فرق : ضرباً بالسيوف ، طعناً بالرماح ، رمياً بالسهام ، رضخاً بالحجارة والخشبة ، فبينما هو كذلك إذ أتاه حجر مشوم فرقع في جبهته ، وسالت الدماء على كريمته المباركة (٢) ، أخذ ثوبه ليمسح الدم ، بان صدره الشريف إلى الأعداء فرماه أبو الحتوف الجعفي لعنه الله بسهم محدّد مسموم له ثلاث شعب ، فوق في لبّة قلبه (٣) ، فرفع رأسه إلى السماء وقال : الهي أنت تعلم أنّهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الارض ابن نبيّ غيره (٤) ، وكلّما عالج وأراد أن ينتزعه من موضعه ما تمكّن ، انحنى على قربوس سرج فرسه قائلاً : بسم الله وبالله وعلى ملّة جدّي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فاستخرج السهم من قفاه وجرى الدم كالميزاب (٥).
قال الراوي : وخرج ثلثا كبده مع السم ، فخرّ صريعاً إلى الأرض ، فجعل جواده يدور حوله ويأخذ عنانه بأسنانه ويضعه بيد الحسين عليهالسلام مشيراً إليه بالقيام ، فلمّا رأى الجواد أنّ الحسين لا قابلية له على النهوض ، خضب ناصيته بدمه ورجع نحو خيمه كي يعلم النساء بقتله ، وهو يصهل ويحمحم ويقول في صهيله :
__________________
(١) مناقب ابن شهر آشوب : ٤ / ١١٠.
(٢) مقتل الحسين للخوارزمي : ٢ / ٣٤.
(٣) تظلم الزهراء : ٢٠٩.
(٤) مثير الأحزان لابن نما : ٧٣.
(٥) الملهوف على قتلى الطفوف : ١٧٢.