معاوية وهام بها حتى مرض مرضا ً شديداً ، فلمّا نظر إليه معاوية وهو بتلك الحالة ظن أنّه قد أصابه مرض اعيى الأطباء عن معالجته ، وقد قيل له : إنّ ولدك هذا عاشق ، ولا تنفعه معالجتنا ، وهو لا يبرء حتى تأتيه بطلبته ، فانظر ما بُغيته وما طلبته ، فاذا أتيت به إليه فإنه يبرء ؛ فدعا معاوية عبداً له يدعى سرجون ، وقال له : اختل مع يزيد واسأله ما بغيته وما طلبته؟ فاختلى به سرجون وأخبر فأطلعه يزيد على ذلك ، فجاء سرجون وأخبر معاوية أنّه عاشق لأرينب بنت إسحاق ، فاخذ معاوية يدبر الحيلة في إيصالها له بكل طريق ، فأرسل الى زوجها عبدالله بن سلام «أني قلبت الأمر ظهراً لبطن (١) ونظرت فرأيت أنّ أهل الشام أوباش ، وأنّهم لا يليقون لهذا الأمر وقد وجدتك مستحقاً للخلافة فأقدم إلينا حتى أجعلك ولي عهدي».
فلما ورد الكتاب على عبدالله بن سلام فرح وسرّ سروراً عظيماً ، وتجهز من وقته وساعته وجعل يجدّ السير ليلاً ونهاراً ، حتى إذا وصل الشام وبلغ معاوية قدومه خرج لاستقباله هو وحفدته كأبي الدرداء وأبي هريرة ونظائرهما ، فلمّا نظر عبدالله إلى ذلك اطمأن قلبه وفرح ، ثمّ جيء به الى دار من دور معاوية فأنزل فيها ، وبقى في الشام مدّة من الزمن ، فقال له معاوية يوماً : أريد أن أزوّجك أبنتي حتى تكون الخلافة لك من بعدي ، ـ وكان ذلك على يد أبي الدرداء (٢) وأبي هريرة ـ
__________________
(١) يعني أمر الخلافة وولاية العهد.
(٢) أبو الدرداء هو : عامر بن زيد الانصاري \' كان صحابياً وكان يعد من ثلاثة علماء أهل الأرض قال بن قتيبة : إنّ أبا الدرداء وأبي هريرة جاءا لعلي ـ ولقد بعثهما معاوية ـ فقالا لعلي : إنّ لك فضلاً لا يدفع ، وقد سرت مسيرة فتى الى سفيه من السفهاء ، ومعاوية يسألك أن تدفع إليه قتلة عثمان ، فإن فعلت ذلك وقاتلك كنا معك ؛ فقال عليهالسلام : أتعرفانهم :؟ قالا : نعم ، فقال عليهالسلام : فخذاهم ، فأتيا محمد بن أبي بكر وعمّار بن ياسر والأشتر فقال : أنتم من قتلة عثمان قد أمرنا بأخذكم ، قال : فخرج إليهم أكثر من عشرة الاف رجل فقالوا : نحن قتلة