الأُمة فقد خبرتهم وبلوتهم ، فانظر لنفسك ولدينك ، والسلام» (١).
فلمّا وصل الكتاب إلى الحسين كتب إليه :
أمّا بعد ... فقد وصلني كتابك ، وفهمت ما ذكرت فيه ، ومعاذ الله أن أنقض عهداً عهده إليك أخي الحسن عليهالسلام ، وأمّا ما ذكرت من الكلام ، فإنّما أوصله اليك الوشاة الملقون بالنمائم ، فإنهم والله يكذبون ، والسلام.
ولمّا وصل الكتاب الى معاوية امسك عنه ، ولم يجبه إلى أن أحسّ بدنوّ أجله ، وكان نغله يزيد غائباً ، فدعى بدواة وبياض ، وكتب له وصيّة ، وهي :
بسم الله الرحمن الرحيم
أمّا بعد ... فإنّ الله خلق كل شيء لميقات يوم معلوم ، ولو خُلّدَ في هذه الدنيا أحد ، لكان رسول الله أولى بذلك ، يا بني اُوصيك بوصية لا تزال بخير ما دمت حافظاً عليها ، اُوصيك بأهل الشام فإنهم منك وأنت منهم ، فمن قدم عليك منهم فأكرمه : وإذا دهمك عدو سر بهم إليه ، وإذا ظفرت فردهم الى بلدهم ، فإنهم متى أقاموا بغير بلدهم فسدوا عليك ، لأنهم لا يعقلون ، وانظر يا بني إلى اهل العراق في امورهم ، فان سألوك ان تعزل عنهم في كل يوم عاملاً فافعل ، فإن عزل العامل أهون عليك من شق العصى ، واعلم يا بني إنّي قد وطئت لك البلاد ، وذلّلت لك رقالب العباد ، ولا اخشى عليك إلّا من أربعة أنفار ، فإنّهم لا يبايعونك ، أولهم : عبد الرحمن بن أبي بكر ، فأنّه صاحب الدنيا ، فمدّه بدنياه ، وأعطه ما يريد.
والثاني : عبد الله بن عمر (٢) ، فإنه صاحب محراب وقرآن ، وقد تخلّى من
__________________
(١) الإمامة والسياسة : ١ / ٢٠١.
(٢) هو عبدالله بن عمر بن الخطاب ، كان يكنّى أبا عبد الرحمن ، أسلم مع أبيه بمكة وهو صغير ، يروى أنّه دخل على الحجاج أيام عبد الملك بن مروان وقال له : مد يدك اُبايعك لعبد الملك ،