فإذا برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قد أقبل في ركباً من الملائكة ورعيل (١) من الأنبياء ، عن يمينه ، وعن شماله ، ومن خلفه ، وبين يديه ، حتى ضمّ الحسين إلى صدره ، وقبّل ما بين عينيه ، وقال : (حبيبي يا حسين كأني أراك عن قريب مزملاً بدمائك ، مذبوحاً بأرض كرب وبلاء ، في عصابة من أُمّتي ، وأنت مع ذلك عطشاناً لا تسقى ، وظمئاناً لا تروى ، وهم مع ذلك يرجون شفاعتي ، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة ، حبيبي يا حسين إنّ أباك وعمّك وأخاك قدموا عليَّ ، وهم مشتاقون اليك ، وإنّ لك في الجنان درجات لن تنالها إلّا بالشهادة».
قال الراوي : فجعل الحسين عليهالسلام يبكي ، ويقول : يا جداه لا حاجة لي بالرجوع إلى الدنيا ، خذني إليك وأدخلني معك في قبرك :
ضمني عندك يا جداه في هذا الضريح |
|
علي يا جد من بلوى زماني أستريح |
ضاق بي يا جد من فرط الاسى كل فسيح |
|
فعسى طود الأسى يندك بين الدكتين |
جدُ صفو العيش من بعدك بالأكدار شيب |
|
وأشاب الهم رأسي قبل أبان المشيب |
فعلى من داخل القبر بكاء ونحيب |
|
ونداء بافتجاع يا حبيبي يا حسين |
أنت يا ريحانة القلب حقيق بالبلا |
|
إنما الدنيا أعدت لبلاء النبلا |
لكن الماضي قليل بالذي قد أقبلا |
|
فاتخذ درعين من حزم وعزم سابغين |
ستذوق الموت ظلماً ظاميا في كربلاء |
|
وستبقى في ثراها ثاوياً منجدلا |
وكأن بلئيم الأصل شمر قد علا |
|
صدرك الطاهر بالسيف يحز الوجدين |
وكأني بالأيامي من بناتي تستغيث |
|
لغباً تستعطف القوم وقد عز المغيث (٢) |
قد برى اجسامهن الضرب والسير الحثيث |
|
بينها السجاد في الأصفاد مغلول اليدين (٣) |
__________________
(١) الرعيل : اسم كل قطعة متقدمة من خيل أو رجال أو طير ، جمعه : رعال. انظر : القاموس المحيط.
(٢) لغب : «وتلغّب السيرُ فلاناً» أتعبه أشد التعب. انظر : مجمع البحرين.
(٣) للدمستاني رحمه الله ، انظر : ديوان الدمستاني.