ومن لم يحج ، وإيذانا بأن ترك الزكاة من صفات الكفار كقوله : «وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ».
ذاك أن العلة في منع الزكاة ونحوها من النفقات الواجبة ، أن حب المال أعلى فى قلب المانع من حب الله تعالى ، وشأنه أعظم في نفسه من حقوقه عز وجل ، والنفس تدعن دائما لما هو أرجح لديها نفعا ، وأعظم في وجدانها وقعا.
وظلم الباخل بفضل ماله على ملهوف يغبثه ، أو مضطر يكشف ضرورته ، أو على المصالح العامة التي تقى أمته مصارع السوء ، أو ترفع من قدرها ، أو تزيل العقبات من طريقها ـ من أقبح أنواع الظلم ، فلا يعذر صاحبه بوجه من الوجوه التي يتعلل بها سواه ممن ظلموا أنفسهم.
وإن حال المسلمين اليوم لتوجب الأسى والحزن ، فترى أغنياءهم يعرفون حاجة أمتهم إلى بذل المال في إنشاء دور العلم ، لينشلوها من بحار الجهل التي هى غارقة فيها وإلى رفع مستوى أخلاقها التي وصلت إلى الدرك الأسفل من الانحطاط ، حتى عمّ الفقر والشقاء ، ثم هم بعد ذلك يبخلون بفضلة مما أعطاهم الله من رزقه ، لتكون بلسما تداوى به تلك النفوس المكلومة ، وعلاجا لهذه الأمراض التي انتابتها.
ومثل هؤلاء لا يستحقون أن ينسبوا إلى الإسلام ، ولا أن يكونوا من المسلمين ، إذ ليس في أحدهم عرق ينبض أو يتألم لمصايب المسلمين ، فمن كان يرى أن ماله أفضل من دينه في الوجدان والعمل ، وهو أرجح من رضوان ربه ، فهو كافر بنعمته وإن سمى نفسه مؤمنا ، فما إيمانه إلا كإيمان من نزل فيهم «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ».
وقد أنذر الله مثل هؤلاء بقوله : «ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ ، وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ ، وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ ، وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ».