على شىء من نزعات الوثنية ، ونسب ما جهل سره من عجائب الخلق إلى قوة غير طبيعية يتقرب بها إلى الله زلفى ، فقد حق عليه العذاب ، وكان جزاؤه جزاء الدين يقولون آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين.
وجاء بمعنى الآية قوله : «وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ؟».
وقد جعل المسلمون قوله : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) أسّا من أسس الدين ، وركنا عظيما من أركان سياسته ، فلم يجيزوا إكراه أحد على الدخول فيه ، كما لم يجيزوا لأحد أن يكره أحدا على الخروج منه.
وإنما يتم ذلك إذا كانت لنا المنعة والقوة التي نحمى بها ديننا وأنفسنا ممن يحاول فتتنا فيه أو الاعتداء علينا ، وقد أمرنا الله بأن ندعو إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة وأن نجادل المخالفين بالتي هى أحسن مع حرية الدعوة وأمن الفتنة.
وإنما فرض علينا الجهاد ليكون سياجا ووقاية لصدّ من يقاوم هذه الدعوة ، ويمنع نشر هذا النور في أرجاء المعمورة ، وكف شر الكافرين عن المؤمنين ، كيلا يزعزعوا ضعيفهم قبل أن يتمكن الإيمان من قلبه ، ويقهروا قويهم بفتنته عن دينه ، كما كانوا يفعلون ذلك في مكة جهرا ، ومن ثم قال سبحانه : «وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ» أي حتى يكون الدين كله خالصا لله غير مزعزع ولا مضطرب ، ولن يكون كذلك إلا إذا كفّت الفتن عنه وقوى سلطانه حتى لا يجرؤ على أهله أحد.
والفتن تكفّ بأحد أمرين :
(١) بإظهار المعاندين الإسلام ولو باللسان ، وبدا لا يكونون من خصومنا ولا يناصبوننا العداء ، ولا يمنعون أحدا من الدعوة إليه.
(٢) بقبول الجزية وهى جزء من المال يؤخذ من أهل الكتاب جزاء حمايتنا لهم بعد أن يخضعوا لنا فنكفى شرهم.