واتفق الأئمة على وجوب الوفاء بالأول ، وهو مخير في الثاني بين الوفاء بما التزمه ، وكفارة يمين.
وكل هذا إن كان النذر في طاعة ، لأنه لا يتقرب إلى الله إلا بالطاعة ، فإن نذر فعل معصية جرم عليه فعله ، فقد أخرج النسائي عن عمران بن الحصين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «النذر نذران ، فما كان من نذر في طاعة الله تعالى فذلك لله تعالى ، وفيه الوفاء ، وما كان من نذر في معصية الله تعالى فذلك للشيطان ، ولا وفاء فيه ، ويكفره ما كفر اليمين».
ومن نذر مباحا فعله ، لأن فسخ العزائم من ضعف الإرادة ، ومن ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم من نذرت أن تضرب بالدّف وتغنى يوم قدومه بالوفاء.
(فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ) ويجازى عليه ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ، وهذا ترغيب وترهيب ، ووعد ووعيد.
(وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) أي وما للذين ظلموا أنفسهم ولم يزكوها من رذيلة البخل ، أو من رذيلة المن والأذى ، وظلموا الفقراء والمساكين بمنع ما أوجبه الله لهم وظلموا الأمة بترك الإنفاق في مصالحها العامة ـ من أنصار لهم ينصرونهم يوم الجزاء ، فيدفعون عنهم بجاههم أو بمالهم ، وهذا كقوله : «ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ».
وفي هذا عبرة أيّما عبرة لأولئك الباخلين بمالهم من المسلمين على المصالح العامة التي فيها خير للأمة ، وفيها سعادتها وعزها ، فالمال هو قطب الرحى ، وعليه تدور مصالح الأمم في هذا العصر عصر المال ، ومن ثم تدهورت الأمم الإسلامية وصارت في أخريات الأمم مدنية ورقيّا وحضارة وتقدما ، وفشا الجهل بين أفرادها ، وأصبحت في فقر مدقع ، وقد كان في مكنتهم أن ينشلوها من وهدتها ، ويرفعوها من الحضيض الذي وصلت إليه يبذل شيء من المال الذي يعود عليهم وعلى أمتهم بالخير العميم ، والفضل الكبير ، ولله الأمر من قبل ومن بعد.