(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) أي فإن أعرضوا عن هذه الدعوة وأبوا إلا أن يعبدوا غير الله ، واتخذوا الشركاء والوسطاء والأرباب الذين يحللون ويحرّمون ، فقولوا لهم إنا منقادون لله مخلصون له لا نعبد أحدا سواه ، ولا نتوجه إلى غيره نطلب منه النفع أو دفع الضر ، ولا نحلّ إلا ما أحله الله ، ولا نحرّم إلا ما حرمه الله.
وفي هذا حجة على أن مسائل الدين كالعبادات والتحريم والتحليل لا يؤخذ فيها إلا بقول النبي المعصوم لا بقول إمام مجتهد ولا فقيه قدير ، وإلا كان ذلك إشراكا فى الربوبية ، وخروجا من هداية القرآن التي دل عليها مثل قوله «أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ» وقوله «وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ».
أما المسائل الدنيوية كالقضاء والسياسة فقد فوّض الله أمرها إلى أولى الحل والعقد وهم رجال الشورى ، فما أمروا به وجب على حكام المسلمين أن ينفذوه ويعملوا به ، وعلى الرعية أن يقبلوه.
وهذه الآية هى الأساس والأصل الذي دعا النبي صلى الله عليه وسلم أهل الكتاب إلى العمل به حين دعاهم إلى الإسلام كما ثبت ذلك في كتبه إلى هرقل والمقوقس وغيرهما.
أخرج ابن إسحاق وابن جرير عن ابن عباس رضى الله عنهما قال : «اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنازعوا عنده ، فقالت الأحبار : ما كان إبراهيم إلا يهوديا ، وقالت النصارى : ما كان إبراهيم إلا نصرانيا ، فأنزل الله (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ) الآية».
(يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ) أي أيها اليهود والنصارى : لم تتنازعون وتتجادلون في إبراهيم ويدّعى كل منكم أنه على دينه؟.
(وقد كان إبراهيم موضع إجلال الفريقين لما في كتبهم من الثناء عليه في العهد العتيق والعهد الجديد كما كانت قريش تجلّه وتدّعى أنها على دينه).