والطير الحقيقي ولكن الله تعالى أراد أن يفهم الإنسان بذلك قدرته تدريجا ؛ فالإنسان أوّلا يشك ويقول : ربما كان كل هذا من الأشياء العادية التي ليست فوق قدرة الإنسان وربما كانت شيئا غير عادى ، ولكن الله يقول بعد ذلك : وأحيى الموتى لكى لا يدع مجالا للشك مطلقا.
إننا نجد هذه الطريقة نفسها في تاريخ سيدنا عيسى عليه السلام ، لأنه خلق من نطفة الأم فقط ، وفي العالم المادي لا يمكن أن يخلق الحيوان إلا من نطفتى الأب والأم ، ولكن الطريقة التي ولد بها سيدنا عيسى كانت بحيث لا تكون صدمة لعقول المعاصرين ؛ فقد اتهم هؤلاء السيدة مريم مدة من الزمن ، لأنهم بطبيعتهم فسروا ولادته أو اعتبروها كولادة الناس عامة ، ولكنهم أخذوا يفهمون الحقيقة تدريجيا عند ما اقتنعوا بصحة المعجزات الأخرى التي أتى بها المسيح.
وقد وصلوا إلى هذا الفهم على الرغم من أن عيسى خلق من أم فقط ، ولكن خلقه على هذه الصورة لا يقل عن خلق آدم من طين ، لأن نظام الكائنات يجرى على سنة واحدة لا تتخلف أبدا إلا حيث يريد الله ، ومتى أراد الله فلا معنى لطريقة خاصة ، ولا حاجة إلى واسطة إلا بقدر الإقلال من تأثير الصدمة على الإنسان كما بينا ... ثم قال :
المعجزات كلها من صنع الله مباشرة ، ومعناها سنة جديدة بخلاف كل ما نراه يوميا من عظة وعظمة كالولادة ونمو الحيوان والنبات ، فإنه مع إعجازه يأتى مطابقا لقواعد ونظم وضعها الله لا تتغير.
وأظهر مثل للنواميس الطبيعية حركة الشمس ، فإن ذلك مع عظمته لا يحدث صدمة لعقولنا لتعودنا إياه ، ولكن إن أتى الله بالشمس من المغرب بدل المشرق كان هذا معجزة بالنسبة للإنسان ، مع أن الحركتين من صنع الله ولا فرق بينهما.
ولا تحصل المعجزات إلا على أيدى الأنبياء ، وذلك لأن صدمتها إن كانت