وليس بالغريب منهم أن يلجأوا إلى مثل هذه الحيلة ، إذ هم يعلمون أن من علامة الحق ألا يرجع عنه من يعرفه ، يرشد إلى هذا قول هرقل صاحب الروم لأبي سفيان حين سأله عن شئون محمد صلى الله عليه وسلم عند ما دعاه إلى الإسلام : هل يرجع عنه من دخل في دينه؟ فقال أبو سفيان (لا).
وقد حذر الله نبيه مكر هؤلاء ، وأطلعه على سرهم حتى لا تؤثر هذه الحيلة في قلوب ضعفاء المؤمنين ، ولأنهم إذا افتضحوا فيها لا يقدمون على أمثالها ، ويكون ذلك وازعا لهم.
وفي هذا إنباء بالغيب فيكون معجزة لمحمد صلى الله عليه وسلم.
(وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) هذا من كلام اليهود الذين حصروا الثقة في أنفسهم زعما منهم أن النبوة لا تكون إلا فيهم ، بل لقد تغالوا وحقّروا جميع الطوائف ، وجعلوا أن كل ما يصدر منهم حسن ، وما يصدر من سواهم قبيح.
وخلاصة المعنى ولا تؤمنوا هذا الإيمان الظاهر الذي أتيتم به وجه النهار إلا لمن كان تابعا لدينكم أوّلا ، وهم الذين أسلموا منهم ، ومقصدهم من ذلك رجوعهم عن إسلامهم لأنهم كانوا راغبين فيه جد الرغبة طامعين فيه ، فلهم من إسلامهم حنق وغيظ عظيم.
(قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) أي ليس الهدى مقصورا على شعب معين أو واحد بذاته ، بل الله سبحانه يهدى من يشاء من عباده على لسان من يريد من أنبيائه ، ومن يهد الله فلا مضلّ له ، فكيدهم لا يضير من أراد الله به الخير ، بل يحبط تدبيرهم له.
(أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ) هذا من كلام اليهود ، وجملة (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) اعتراضية بينه وبين ما سبقه.
والمعنى ـ لا تظهروا إيمانكم بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لأهل دينكم دون غيرهم حتى يحاجوكم عند ربكم فيدحضوا حجتكم.