فرد الله عليهم بقوله :
(وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أي وهم يعلمون كذبهم في ذلك لأن ما جاء من عند الله فهو في كتابه ، والتوراة التي بين أيديهم ليس فيها خيانة الأميين ، ولا أكل أموالهم بالباطل ، وهم يعلمون ذلك حق العلم ، لكنهم لما لم يكتفوا بالكتاب ولجأوا إلى التقليد وعدّوا كلام أحبارهم دينا ، وهؤلاء قالوا في الدين بالرأى والهوى ، وحرفوا الكلم عن مواضعه ليؤيدوا آراءهم ، وجدوا من هذه الأقوال ما يساعدهم على ما يدّعون.
روى ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال : «لما نزلت (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) إلى قوله (لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) قال النبي صلى الله عليه وسلم : كذب أعداء الله ، ما من شىء في الجاهلية إلا وهو تحت قدمىّ هاتين إلا الأمانة فإنها مؤداة إلى البر والفاجر».
(بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) أي بلى عليكم في الأميين سبيل ، وعليكم الوفاء بعقودكم المؤجلة والأمانات ، فمن أقرضك مالا إلى أجل ، أو باعك بثمن مؤجل أو ائتمنك على شىء وجب عليك الوفاء به ، وأداء الحق له فى حينه دون حاجة إلى الإلحاف في الطلب أو إلى التقاضي ، وبذلك قضت الفطرة وحتّمت الشريعة.
وفي هذا إيماء إلى أن اليهود لم يجعلوا الوفاء بالعهد حقا واجبا لذاته ، بل العبرة عندهم بالمعاهد ، فإن كان إسرائيليا وجب الوفاء له ، ولا يجب الوفاء لغيره.
والعهد ضربان :
(١) عهد المرء لأخيه في العقود والأمانات كما تقدم.
(٢) عهد الله تعالى ، وهو ما يلتزم به المؤمن لربه من اتباع دينه والعمل بما شرعه على لسان رسوله.
واليهود لم يفوا بشىء منهما ، إذ لو وفّوا بعهد الله لآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم