العاملين فيه ، فكونك مع الأمة بقلبك ولسانك أجدى لها من شىء من المال تعطيه مع مقالة السوء وفعل الأذى.
وقد قررت هذه الآية مبدأ عامّا في الشريعة وهو «درء المفاسد مقدم على جلب المصالح» فقد دلت على أن الخير لا يكون طريقا إلى الشر ، وعلى أن الأعمال الصالحة يجب أن تكون خالية من الشوائب التي تفسدها وتذهب بفائدتها كلها أو بعضها ، وعلى أن من عجز عن نوع من أنواع البرّ فعليه أن يجتهد في إحسان عمل آخر يؤدى إلى مثل غايته ، فمن شق عليه أن يتصدق ولا يمن ولا يؤذى ، فعليه أن يجبر قلب الفقير بقول المعروف.
(وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ) أي والله غنى عن صدقة عباده ، فلا يأمرهم ببذل المال لحاجة إليه ، بل ليطهرهم ويزكيهم ويؤلف بين قلوبهم ويصلح شئونهم الاجتماعية ، ليكونوا أعزاء ، بعضهم لبعض ناصر ومعين.
فهو غنى عن صدقة يتبعها منّ أو أذى ، لأنه لا يقبل إلا الطيبات ، حليم لا يعجل بعقوبة من يمنّ أو يؤذي.
وفي هذه الجملة سلوة للفقراء ، وتعليق لقلوبهم بحبل الرجاء بالله الغنى الحليم ، وتهديد للأغنياء وإنذار لهم بألا يغتروا بحلم الله وإمهاله إياهم ، وعدم تعجيل العقوبة على كفرهم بنعمته تعالى ، إذ من وهبهم المال فإنه يوشك أن يسلبه منهم.
وبعد أن أبان سبحانه فيما سلف أن ترك المن والأذى شرط لحصول الأجر والثواب على الإنفاق في سبيله ـ أقبل يخاطب عباده المؤمنين وينهاهم نهيا لا هوادة فيه عن إبطال صدقاتهم بالمن والأذى فقال :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) أي إن المن والأذى هادم للفائدة المقصودة من الصدقة ومبطل لها ، وهو تخفيف بؤس المحتاجين وكشف أذى الفقر عنهم إذا كانت الصدقة للأفراد ، وتنشيط القائمين بخدمة الأمة ومساعدتها