أما الاختراع فإنه اكتشاف لناموس إلهى (طبيعى) ولذلك هو يتكرر دائما فى الظروف نفسها على يد كل إنسان ، انتهى كلامه بتصرف.
(وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ) أي وأخبركم بما تأكلونه من أنواع المآكل ، وما تخبئونه للغد في بيوتكم ، وقد كان يخبر الرجل بما أكل ، وبما سيأكل.
والفرق بين إخباره بالغيوب ، وإخبار المتنجمة والمتكهنة التي كثيرا ما تخبر بالشيء وتصيب ، أن المتنجم والمتكهن إنما ينبئ عن استخراج له ببعض الأسباب المؤدية إلى علمه ، ولم يكن ذلك كذلك من عيسى صلوات الله عليه ، ومن سائر أنبيائه ورسله ، بل كان عيسى يخبر به عن غير استخراج ولا طلب لمعرفته باحتيال ، ولكن بإعلام الله ابتداء من غير أصل تقدم ذلك احتذاه أو بنى عليه ، أو فزع إليه كما يفزع المتنجم إلى حسابه ، والمتكهن إلى رئيّه ، فذلك هو الفصل بين علم الأنبياء بالغيوب وإخبارهم عنها ، وبين علم سائر المتكذبة على الله ، أو المدّعية علم ذلك.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي إن في ذلك لحجة على صدق رسالتى ، وموضعا للعبرة تتفكرون فيه فتعتبرون به أنى محق في قولى لكم إنى رسول من ربكم إليكم ، وتعلمون به أنى فيما أدعوكم إليه من أمر الله ونهيه صادق ، إن كنتم مصدّقين حجج الله وآياته ، مقرين بتوحيده وبنبيه موسى وبالتوراة التي جاءكم بها.
(وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) أي وجئتكم مصدقا لما بين يدىّ من التوراة لا ناسخا لها ولا مخالفا شيئا من أحكامها إلا ما خفف الله عن أهلها في الإنجيل مما كان مشددا عليهم فيها ، وهو الذي ذكره بقوله : (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) أي بعض الطيبات التي كانت حرمت على بنى إسرائيل بظلمهم وكثرة سؤالهم ، فأحلها عيسى كما قال تعالى : «فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ» قالوا ومن ذلك السمك ولحوم الإبل والشحوم والعمل يوم السبت.